والأخذ منها بمقدار دون طمع أو جشع أو أنانية وعلى العكس عندما بدأ الإنسان يستغل الطبيعة مجانا وبكثير من الجشع والطمع ولتفاقم ثرواته الخاصة بدأت دموع الطبيعة تنذر بأن كوارث يمكن أن تحل.
وبالنظر إلى هذه المساحات الشاسعة وقد تفتحت فيها زهور الأفكار وكل منها يمكن أن يقدم في ابداع ما للطفل حتى لا تكاد مخيلتهم تخلو من صور البحار والجبال والأنهار وتكاد تتميز الابداعات للطفل بهذا السخاء وتلك الغزارة لكن المهم هو التركيز والتوجيه وحسن القصد.
ولا تقتصر جماليات الطبيعة المرتبطة بالفائدة على ما اصطلح عليه بشكل عام كالأزهار والطيور والأشجار وغيرها لأن للطبيعة أسرارها إضافة إلى تكاملها فأرض مزروعة ينمو فيها نبات شوكي له زهرة وألوان جميلة يشكل لونا من ألوان الطبيعة التي قد يتبادر إلى الذهن الاستغناء عنه ما دامت ليست له فائدة لكن هناك جمالية تلقائية تكمل ألوان الطبيعة من جهة كما يمكن أن يكون لها فائدة ما كتثبيت التربة مثلا أوتغذية قطيع جائع من الماعز أو ربما أفادت النحل في صنع عسلها.
لا نستطيع أن نحصر جماليات البيئة لأنها ينابيع لا حصر لها فكل ما في الطبيعة من (حيوان وشجر ونبات وبحار وأسماك وسواها) يشكل جمالية معينة ضمن إطارها فالشجر مثلا الذي يتميز عن النبات فالنبات يتجدد لكن الشجر يحتاج إلى زمن فالثروة الزمنية هي التي تختزنها الأشجار وبالتالي الغابات ولهذا وجب التنبيه إليها والعناية بها وخاصة أننا نعيش في مناطق أقرب إلى الجفاف.
فكما الحفاظ على الشجرة هو الحفاظ على الماء وعدم هدره لسبب أو لآخر بغض النظر عن أخذ جمالية الماء الموجود في الطبيعة على شكل غدران أو سواقٍ ومصبات مياه وينابيع وبحيرات وشلالات الخ.. إذ من الممكن تطويرها والتحكم فيها أو خلقها اصطناعيا.
هل بإمكاننا أن نعيش دون النبات؟ بواسطته نتنفس ومنه نأكل وله في حياتنا النصيب الأكبر في كل شيء فمثلا نحن نعتمد على مادة السليلوز في النبات كأساس لطعامنا وكسائنا وغطائنا ووقودها ولا ننسى أننا نصنع منها أوتارا لآلاتنا الموسيقية كما نعتمد عليها في صناعة الورق الذي نكتب عليه أشعارنا وندون أفكارنا إنها أمثلة وبالنسبة للطفل فإن الجماليات هي التي نبدأ بها للوصول إلى رعاية البيئة والحفاظ عليها إذ عندما يشعر بالروح الكلية للطبيعة وانسجامها وترق مشاعره نحوها يستطيع الطفل أن يدرك ولو بشكل شمولي عام أهمية البيئة ومن هنا نأخذ منافذها في وعيه نحو البيئة والحفاظ عليها فالنزهة مثلا يمكن أن تكون إلى جانب الألعاب والمتع مناسبة لتنمية الذوق الفني ولفت النظر إلى كنوز الطبيعة والتعاطف معها وبعد انتهاء النزهة يمكن أن يتحقق درس عملي صغير بعدم رمي النفايات أو حرقها إذن فقد بدأنا بالجمالية وانتهينا بمعرفة علمية حول عملية الحرب وما قد تسببه من أذى وأضرار بيئية محتملة كذلك فإن الصيد دون جرح البيئة وتعريض أنواعها للانقراض والإخلال بميزانها أمر طبيعي يمكن أن يعرفه الطفل ضمن قواعده وأصوله إلا أنه من جهة ثانية ما أجمل أن يتسلق الطفل على سلم من حبال ويرجع عصفورا إلى عشه ويتأمل بناء العش أو يضع عشا اصطناعيا فيه بعض الحبوب لتلجأ إليه بعض العصافير إذ لا تناقض بين الناحيتين والطفل يتناول لحم البط أو الدجاج أو الأرانب لكن هذا لا يمنع أن يلاطفها في الحدائق العامة أو حدائق الحيوان ويرمي إليها بفتات الخبز أو الحبوب ويخلق نوعا من الألفة بينه وبين الحيوان بحيث عندما يكبر يعرف دور هذا الحيوان أو ذاك في الطبيعة وأهميته من منطلق معرفي بعد أن انطلق من منطلق جمالي والجماليات لا تحدد بمتعة الرؤية أو البصر فقط بل بمشاركة الحواس كلها فإحساس الفرح قد يتولد من هواء نقي يدخل الصدر أو شم روائح الغابة الخضراء أو عطر الورود والرياحين أما الذوق فيمكن تشذيبه وتهذيبه بتدخل الإنسان لكن دون قسر للطبيعة أو قهرها أو معاكستها إذ يظل القرنفل المزروع في الطبيعة هو غيره المستنبت في البيوت البلاستيكية وكذلك فإن موسيقا الطبيعة من حيث السمع يمكن أن تقرن عند الطفل بالأوتار والأنغام وأنواع الألحان لأن الموسيقا في الأصل مستوحاة من الطبيعة ومع ضرورة تشكيل الوعي المسبق لدى الطفل كي يصل إلى إدراك الجماليات الأخرى من خلال باقي الحواس إذ يجب بذر الإدراك للفارق بين سخاء الطبيعة وعنفوانها وبين ما تصنعه يد الإنسان ويظل محدودا وهزيلا حتى يكون الحماس أكبر نحو البيئة الأصلية التي هي الطبيعة وليس نحو ما يصنعه الإنسان إذ أيهما أفضل أن نحافظ على بستان أشجار أم نخلق بستانا آخر.
ولا ننسى بذر الحماس أيضا لدى الطفل لمراقبة الطبيعة وإمكانية تثميرها وتنشيطها بوسائل علمية أو شبه علمية لكنها مشوقة من حيث المبدأ للأطفال ومحرضة لفضولهم وحبهم الاكتشاف.
فرواية «الزنبقة السوداء» مثلا لأناتول فرانس التي تحمل مبدأ تهجين أنواع التوليب للحصول على الزنبقة السوداء هي رائعة أدبية لكنها بذرت في فترة مواكبة للعلم في ذلك العصر الرغبة في تهجين سلالات من الزنابق وأي منا لا يعتبر المشاعر الخيرة والطيبة والأحاسيس النبيلة جزءا من الحفاظ على الطبيعة فرعاية حيوان أليف هي نوع من الحفاظ على البيئة كذلك اهتمام بحيوان ولود أو حلوب هو نوع من التماثل في الأمومة والطفولة بين الإنسان والطبيعة.
القنوات بين البيئة والجماليات
لاشك أن هناك قنوات كثيرة لكن أبرزها مما نعده الأسرة والمدرسة والاعلام ونستطيع أن نقول الجو الاجتماعي بشكل عام أما التوعية فإنها الباب الجميل ومدخله الفن الموجه للأطفال عموما والأدب خصوصا من مسرح وقصة وحواريات وتمثيليات ..الخ.
إذا ليس ما يتغلغل في نفوس الأطفال وينغرس بها أكثر من حكاية لطيفة ومغامرة مشوقة أو قصة مسلية فهي التي تطرح له إضافة إلى القيم الجمالية قيماً أخرى كثيرة من وطنية وإنسانية وأخلاقية وغيرها ونضيف إليها الآن بشكل واعٍ ومدروس القيم البيئية.