وبدأ قصر الإليزيه يطرح سؤالاً كبيراً: هل يمكن الحديث مع حركة حماس? وكان طوني بلير مبعوث اللجنة الرباعية قد اعترف بضرورة الحديث مع حماس بكلمات مبطنة, بينما وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير صرّح بها صراحة, ولاسيما قد فشلت استراتيجية العزلة المفروضة على حماس, والتي تشددت أكثر عقب الأحداث التي شهدها قطاع غزة, وسيطرة الحركة على الأوضاع في قطاع غزة. ورغم الحصار عليها, لم تتنازل حركة المقاومة الإسلامية, والتي تصنفها الولايات المتحدة ومن خلفها المجموعة الأوروبية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية, بسبب عملياتها (الانتحارية) ضد (اسرائيل), قيد أنملة عن موقفها في وجه الإملاءات التي تفرض عليها, لكي تصبح معترفاً بها, وهي: التخلي عن السلاح, الاعتراف (باسرائيل ) وبالاتفاقيات الموقعة بين (اسرائيل ) والسلطة الفلسطينية عام .1994
ويعترف أحد مساعدي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قائلاً: ( لاشك أننا أخطأنا بفرض ثلاثة شروط قبيل إجراء أي حوار مع حماس, وكان يكفي فرض شرط واحد ). والسؤال: ألم نرفع الحاجز عالياً جداً بهدف إجبار المتشددين الفلسطينيين ليصبحوا أكثر اعتدالاً? وهل يمكننا أن نطالب المحاور المقبل التخلي عن كافة أوراقه قبل بداية المحادثات? وهل ينبغي التحاور مع حركة إسلامية للخروج من المأزق? مجموعة أسئلة, جعلت الحكومة الغربية تدور في فلك التردد. ويعترف برنار كوشنير, الذي قام بزيارة إلى (اسرائيل) والأراضي الفلسطينية بضرورة محاورة حماس, ولكنه أعقب اعترافه هذا بتأكيده القول ( لايمكننا, هذه الأيام, إجراء حوار مع حماس, ونحن نتحدث إلى حزب الله لأنه جزء من الحل في لبنان, ولكن حماس, يعتبر جزءاً من المشكلة في فلسطين ).
وتعود أسباب الرفض الفرنسي للالتقاء مع حماس إلى أسباب تكتيكية وإيديولوجية معاً. إذ ترى باريس ضرورة عدم إضعاف السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس. وفي الوقت نفسه يعتقد الإليزيه في باريس أن استئناف الحوار الفلسطيني - الفلسطيني هو خطوة في الاتجاه الصحيح.
ويتذرع المعارضون لأي التقاء مع حركة حماس واستحالة التفاوض معها ( لكون ميثاقها يدعو إلى تدمير اسرائيل ) مع العلم أنه وفي عام ,1993 وحينما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات اتفاقيات أوسلو, كان ميثاق المنظمة يتضمن مادة, أيضاً, تدعو إلى تدمير ( اسرائيل), ولم يتم إلغاؤها وحذفها إلا بعد خمس سنوات من هذا التاريخ. ولدى تأسيسها عام 1987 كحركة مقاومة لم يتم استبعادها من أي لقاء معها, ولم يتم عزلها من قبل أمريكا وفرنسا, بل شهد عام 1993 عقد اجتماعات بين أعضاء من حماس ودبلوماسيين أمريكيين. وخلال صيف عام ,2005 وبطلب من باريس, كان مقرراً عقد لقاء سري بين فرنسا وأعضاء من حركة حماس في الخليج, تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة بل وتراجعت فرنسا خطوات إلى الوراء, ويبرر ذلك, وزير الدفاع قائلاً: ( كنا نخاف أن يعلن هذا اللقاء ). وعرض أحد الدبلوماسيين خدماته في ذلك, ولكن عبثاً, ففي هذا الملف الدقيق الحساسية, فرنسا تسير وكأنها ( تمشي على بيض ).
وسبقت كلاً من سويسرا والنرويج واسبانيا والسويد فرنسا في عقد لقاءات مع ممثلين عن حركة حماس. وفي تعليق لأحد المقربين من حماس قال: ( كان الفرنسيون, تقريباً, آخر من رفضوا التحادث معنا, في حين كانوا عام ,2003 الوحيدين داخل المجموعة الأوروبية الذين عارضوا إدراج اسم حماس على قائمة المنظمات الإرهابية ).
ويعلم الإسلاميون المتشددون أنه عقب اعتداءات /11/ أيلول تقلص هامش تحركهم, بسبب وضعهم في قفص الاتهام, ومرمى النار. واتخذت الدول الغربية من مسألة إطلاق صواريخ على (اسرائيل) انطلاقاً من قطاع غزة, ذريعة لقطع أيّ علاقة مع حماس وتشديد الحصار عليها.
ويقر أحد المقربين من الرئيس ساركوزي القول: ( نحن لسنا متصلبين نفسياً, وإن جاء يوم ينبغي علينا فيه التفاوض مع حماس, سنتفاوض معها. ولكن مشكلتنا ليست هنا. في وقت لايفتأ الرئيس ساركوزي فيه عن الترديد أنه لن يتحادث مع ( ناس يقتلون )).
رغم أنه وعلى مستوى بلديات المدن في (اسرائىل), أعربت الكثير منها استعدادها التحاور مع حماس. وفي هذا الصدد يتساءل أحد المسؤولين في الخارجية الفرنسية بقلق وتخوف فيما إن كان الإحجام عن التحاور معهم سيؤدي إلى ازدياد تشددهم أكثر. والمعروف أنه, ولغاية الآن, لم تصدر حركة حماس معركتها خارج حدود منطقة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ويحق لنا أن نتساءل إلى متى سوف تستمر التيارات الأكثر تشدداً فيها الصمود أمام دعوات الجهاديين في تنظيم القاعدة? ومنذ فترة قريبة دعا أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق رجاله إلى دعم الفلسطينيين, مع اتهام حماس بالجبن?!