عن استلام كميات القمح الواردة إلى مكاتبها ومطاحنها بعد أن تأكد وجود إصابات متباينة الشدة في حبيبات القمح, ما أدى إلى ظهور بقع سوداء بسبب العوامل الجوية والأمطار المتأخرة التي شهدتها محافظات حماة وإدلب والحسكة, الأمر الذي فسرته بعض الجهات المذكورة أعلاه بأنه أحد الأمراض الفطرية المسببة للتسمم فيما لو زادت نسبة الإصابة عن خمسة بالألف.
وكان مما قلناه في اليوم الثالث من امتناع مكاتب الحبوب عن استلام أية كمية مصابة وعلى الصفحة الاقتصادية... إن هذا الأمر يثير تساؤلات عديدة ويترك أكثر من علاقة تعجب وبخاصة فيما يتعلق بالآلية التي تم بها الأمر وبالحسم السريع من خلال الامتناع وإعطاء التبريرات التي لا تترك مجالاً للشك بأن المسألة على قدر من الأهمية والخطورة, بحيث لا يمكن المخاطرة باستلام أية كمية... مهما تكن الإصابة بسيطة.
وكان مما قلناه أيضاً وبعنوان عريض... إن التجار هم المستفيد الوحيد من هذا الامتناع وإن وراء الأكمة ما وراءها.. وإن الأرباح التي سيجنيها هؤلاء التجار ستكون كبيرة, لأن هذه الأقماح.. إن لم تكن صالحة للاستخدام البشري فهي صالحة بالتأكيد كعلف للحيوانات.
وكان اللافت في الأمر حقاً هو تلكؤ الجهات المعنية وعلى مختلف المستويات الحكومية في إيجاد حل سريع وعاجل لأزمة فوتت على المؤسسة العامة للحبوب استجرار أكثر من 1,5 مليون طن من القمح الذي ذهب جله إلى مطاحن القطاع الخاص وتجار الأعلاف وكان المضحك المبكي في الأمر أن قائمة الأسعار التي صدرت بعد تأخر دام حوالى 20 يوماً.. تضمنت أسعاراً لا تتجاوز 5 ل.س للكيلو غرام الواحد. تبعاً لنسبة الإصابة, ما دفع المزارعين إلى الامتناع كلياً عن التوجه إلى مكاتب الحبوب وبيع محاصيلهم إلى تجار الحبوب الذين أقام بعضهم- كما رأينا بأعيننا إهراءات تفوق إهراءات الحبوب النظامية المنتشرة في معظم المحافظات.
لقد وصل سعر الكيلو غرام الواحد من القمح اليوم والذي تم رفضه بالأمس إلى 22 ل.س في حين أن أعلى سعر استلمت به مؤسسة الحبوب القمح السليم لم يتجاوز 11 ل.س, في حين تراوح سعره عند التجار ما بين 8-10 أي أنه ارتفع إلى أكثر من الضعف وذلك بسبب الأحوال الجوية وموجات الصقيع المتتالية وعدم نمو أي غطاء نباتي في معظم أنحاء القطر ونقص كميات الأعلاف الموزعة والتي لم تتجاوز 22 كغ للرأس الواحد من الأغنام.
لقد نبهت كل صحفنا في حينه إلى مخاطر امتناع مؤسسة الحبوب على استجرار القمح المصاب مثلما نبهت جهات عدة ومنها الجمعيات والروابط والاتحادات الفلاحية وفروع الحزب والمحافظات وغيرها إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى أزمة حقيقية سواء بالنسبة للطحين أو الأعلاف.. وقد ثبت الآن أن هذا الأمر كان صحيحاً بالنسبة للأعلاف التي تجد مؤسسته الآن نفسها في أزمة حقيقية لن تحلها دورة إسعافية علفية جديدة بدأت في أوائل هذا الشهر.. بل لن تحلها دورات متتالية. لأن البادية السورية بكاملها الآن تئن تحت وقع موجات متتالية من الصقيع واحتباس للأمطار شبه كامل عن بعض أجزائها. الأمر الذي يستدعي حلولاً عاجلة يفترضها الحفاظ على قطيع الأغنام السوري الذي تصل تقديراته إلى حوالى 21 مليون رأس.. تترك الآن لقدرها ولرحمة السماء ولعيون أصحابها الباكية على ثروة ضيعها الروتين والخوف من تحمل المسؤولية وعدم المبادرة السريعة لحل الأزمة خلال أيام إن لم تكن ساعات.
إن رأس الأغنام يستهلك في المتوسط وعلى الأقل يومياً حوالي -2-3 كيلو غرامات من العلف المؤلف من النخالة 18 ل.س للكيلو غرام والقمح 22 ليرة والكسبة 17 ليرة. والتبن 8 ليرات أي ما يقارب 50 ليرة للرأس الواحد, وهذا يعني أن الأغنام بدأت- وكما يقول المربون - تأكل حالها- حين يضطر المربي إلى بيع قسم منها ليعوض به قيمة الأعلاف التي ما زالت ترتفع يوماً بعد يوم منذ بداية موسم الشتاء وحتى الآن. لقد أحست الحكومة على ما يبدو في اجتماعها بتاريخ 5/2/2008 بخطورة ما يمكن أن يحصل ولذلك طلبت من وزارتي الاقتصاد والتجارة والزراعة والإصلاح الزراعي. تدقيق عملية تسويق محصول القمح خلال موسم عام 2007 وعرضها في مذكرة توضيحية تتضمن المعطيات والوقائع المتعلقة بذلك من جوانبها المختلفة, ما يعني أن خللاً ما محققاً قد وقع وأن مسؤولية ما يمكن أن يتحملها طرف أو جهة. وهي مسؤولية مؤكدة عن هدر واضح للثروة الوطنية. وكل ما نتمناه أن تتضمن هذه المذكرة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ما حصل.. مثلما تتضمن النتائج التي أدت إليها وفي مقدمتها أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف التي أدت بدورها إلى انتفاخ جيوب التجار بملايين الليرات على حساب جهد وعرق فلاحنا. وعلى حساب مربي أغنامنا.