بشكل بعيد عن المصطلحات واللغة الاكاديمية التي صبغت معظم حواراتنا حول الشكل الجديد للاقتصاد السوري والعبارات التي قد لا يفهمها معظم افراد المجتمع مثل تضخم ومعدلات نمو وموازنة و و ..... الخ بعيدا عن هذه اللغة لا بد لنا من ان نتحدث عن جوهر الموضوع وهو النمط الجديد لحياة المجتمع السوري في ظل انظمة وقوانين حديثة ومتطورة ولكنها في واقع الامر جديدة على ثقافته المعيشية التي اعتاد عليها لعقود طويلة سالفة والتي تعتمد على ابوية الدولة.
وبناء على ما سبق فإن الانتقال الى هذا النمط لابد ان يكون تدريجيا ومنظما وأؤكد على تعبير (منظما ) لانه علينا اولا ان نهيئ البيئة التشريعية والقانونية المتكاملة واللازمة لنجاحه ومن ثم نصدر القرارات وننفذ على الارض والا ما معنى ان نقرر تحرير الاسعار ولايوجد بعد قانون للمنافسة ومنع الاحتكار?
كذلك ما معنى ان نحرر الاستيراد ولا تزال مؤسسة التجارة الخارجية تتقاضى عمولات من دون ان تقدم اي خدمة سوى الاختام وما معنى ان وزارة الادارة المحلية اصبحت تتقاضى ضريبة 10% على الضريبة التي يدفعها المواطن? وما معنى ... وما معنى ???
اذاً ما هو حاصل الان انتقال تدريجي فعلا ولكن هذا التدريج يفتقد التنظيم وتحديد الاولويات مما ادى الى مزيد من الصدمات والمفاجآت والتي من ابرزها الغلاء الصاعق الذي ولسوء الحظ جاء متزامنا مع غلاء عالمي فاحش في معظم الحاجات الاستهلاكية اليومية من حليب وقمح وسكر ورز وطاقة....
ليصبح الامر ملتبسا على المواطن ويسأل هل حقا هذا الغلاء هو بسبب هذا النظام الاقتصادي الجديد ام ان الحظ العاثر وقف امام حاملي راية التحول فصارت تصب كل لعنات الغلاء على الاقتصاد الجديد خاصة وان الدولة بدأت تهيئ لرفع الدعم عن الطاقة وهذا امر له شجون ربما تكون كبيرة على المواطن.
لا شك ان نظام اقتصاد السوق لا يعني التحول الى الغلاء في المعيشة اطلاقا فهو مطبق في اكثر الدول تطورا ولكن نحن لا نزال في مرحلة تحول اعتقد انها طالت لانها لم تتح المجال لممارسي هذا النمط المعيشي من مواطن ومقدم سلعة لم تتح لهما المجال للعمل فعلا وفق آليات السوق والسبب باعتقادي البدء بتطبيقه قبل استكمال مسوغاته.
في الحقيقة لابد من عمل منظم يتسم بتفاعل وانسجام كبيرين بين اعضاء الفريق الاقتصادي الحكومي فمن غير المعقول مثلا ان يطالب البعض بتشديد الرقابة على الاسعار ويتجاهل ان اقتصاد السوق لا يعترف بمقولة ضبط الاسعار مركزيا ورقابيا لانه اساسا يقوم على مبدأ تحرير الاسعار وعملية الضبط لا تتم الا تلقائيا من خلال تهيئة الجو التنافسي للسلع. كما ان البعض الاخر يتحدث عن تطوير ثقافة الفوترة للسلع اعتقادا منه بان ذلك سيحد من ارتفاع الاسعار لانه سيراقب هامش الربح متناسيا ايضا ان اقتصاد السوق لا يعترف على الالزام بربح محدد مهما علا او انخفض ثم من سيقرر ان هامش الربح كبير ام قليل وما هو القانون الناظم لذلك.
اغلب الظن ان مبدأ التدرج المنظم له دور كبير في نجاح التحول نحو الاقتصاد الجديد اضافة الى العمل من جانب الحكومة على خلق رغبة حقيقية بالاستثمارات التجارية والصناعية المنتجة والتي من شأنها بلورة النمط التنافسي للاقتصاد دون ان ننسى تحقيق الجانب الاجتماعي له من خلال مساهمة الدولة في الاستثمارات و دعم مؤسسات القطاع العام المنتج وضخ السلع بشكل متزايد في الاسواق وتحسين دخل الفرد...الخ مما يساعد حكما في حماية المواطن من جنون الاسعار والوصول بأمان الى هذا الاقتصاد....!!