ولئن كانت الأغلبية العظمى من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والبالغ عددهم حسب أحدث الاحصاءات التي تعامل معها معهد الديمقراطية الإسرائيلي في ندوته الأخيرة التي نظمها يوم الخامس والعشرين من الشهر الماضي، نحو نصف مليون مستوطن 30 % منهم يقيمون في القدس الشرقية، ما يعني أن سبعة أضعاف هذا العدد يقيمون في القطاع الإداري لبلدية القدس الغربية، وفق معيار سكاني وضع لهذا الغرض منذ عهد رابين، تعلن أنها ملتزمة بالقانون، فإن العناصر الهامشية التي تعتبر مزرعة للتطرف في حركة الاستيطان اليهودي، كانت مسؤولة عن زيادة رئيسية في حوادث العنف، ووفقاً لتقرير صدر في شهر تشرين الثاني الماضي عن دار يديعوت أحرونوت، فإن أجهزة الأمن سجلت 675 حالة نشاط عنفي نفذه مستوطنون إسرائيليون ضد فلسطينيين وقوى الأمن الإسرائيلية خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني /2008 حتى تشرين الثاني الماضي، وقد تضمنت هذه الحوادث هجمات على الأفراد، وإلحاق أضرار في الممتلكات، وخرق القانون واستعمال أسحلة نارية نجم عنها حوادث قتل.
وقد فتح القضاء ملفات لـ 515 حالة عنف، أي بزيادة قدرها 11% عما كان عليه الحال في العام 2007، ومن بين هذه الحالات ثلاث عشرة حالة وصفت بأنها من سلوك جناح يساري فوضوي ، فيما 512 حالة نسبت لمتطرفين يمينيين، ولاحظ التقرير أن معظم منفذي هذه الحالات من الشبان adults ليس لهم سجل إجرامي من قبل، وهم ليسوا من يفترض أنهم مراهقون.
وقد حكم على 197 منهم بالسجن وفتحت 105 ملفات اتهام مقارنة مع 61 حالة في العام 2007.
وكان اللافت للانتباه هو أن كثيراً من هذه العمليات استهدفت عناصر من الجيش الإسرائيلي اشتركوا يوماً في إزالة الحواجز التي وضعت على الطرقات الواصلة بين المدن والبلدات الفلسطينية.
ويبدو أن عمليات العنف هذه كانت جزءاً من حملة منظمة قامت بها عناصر قيادية من المستوطنين في محاولة لمنع إزالة المستوطنات، ويطبق هؤلاء الذين يطلق عليهم سكان التلال hilltop youth ما يعرف باستراتيجية التسعيرة price tag التي توحي بأن ما قاموا به من عمل هو انتقام مما قامت به الحكومة من أعمال طالت مستوطنات الضفة الغربية، والغاية من ذلك هي وخز القوات التي تنتشر على الطرقات وتحول دون استمرارهم في حرق الحقول.
لقد أثارت هذه الاستراتيجية قلق السلطات الإسرائيلية لما تعنيه هذه الأعمال من أخذ المستوطنين للقانون بأيديهم، كما جرى من أعمال انتقامية ضد سكان قرية عصيرة القبلية التي اقتحمها مئة وخمسون مستوطناً في أيلول الماضي، حيث أحرقوا الممتلكات وقتلوا مواطنين فلسطينيين ، ما حدا برئيس الحكومة المستقيل ايهود أولمرت إلى وصف هذه الأعمال الخارجة عن القانون بأنها مذبحة منظمة.
والتقدير عند أجهزة الأمن أن الاعتداء الذي تعرض له المؤرخ زئيف شتيرنهل بزرع عبوة ناسفة عند مدخل بيته في القدس الغربية هو من تدبير جماعات عقائدية يحركها الإرهاب وتتبع استراتيجية التسعيرة .
وكان المعتدون قد تركوا رسالة تقول: إنه تم العدوان عليه، من قبل جماعة تطلق على نفسها جيش المحررين نظراً لمواقفه المتعاطفة مع الفلسطينيين وتعرض هذه الجماعة نحو 320 ألف دولار لمن يقتل ناشطاً في حركة السلام الآن وأضافت إن: دولة إسرائيل، حلمنا منذ 2000 عام، وقد أصبح هذا الحلم كابوساً، والبلاد يحكمها رعاع شريرون، يكرهون التوراة، ويسعون إلى إزالة قانون الله... إن دولة إسرائيل أصبحت عدواً لنا، وقد حان الوقت لإقامة دولة الشريعة اليهودية في الضفة الغربية (التي سمتها الرسالة يهودا والسامرة)، لقد حان الوقت لإقامة مملكة يهودا .
والفارق بين أفراد هذا التنظيم دوماً عمن يجاريهم في المزاج والتكوين النفسي، وبين من قتل رابين هو أن القاتل كان فرداً، بينما الذين اعتدوا على شتيرنهل هم جماعة منظمة من اليمين المتطرف.
والملاحظ في هذه العمليات هو أنها ذات طابع دوري ينشط بقوة كلما كانت هناك مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ترافقت مع أحاديث عن إمكانات إزالة بؤر عشوائية أو مستوطنات حتى ولو كانت هذه الإزالة من النوع الإداري الذي يقصد تنظيم الانتشار الاستيطاني في الضفة الغربية.
ولا يستبعد رجل الأمن الإسرائيلي يوفال ديسكين أن تقود الأعمال التي تقوم بها هذه الجماعة إلى حرب أو أنها تحضر لها، وإذا كانت هذه الاحتمالات تذكر بحرب عام 1967 التي وصفها موشيه دايان بـحرب المستوطنين ، فإن الجنرال شاماني، رئيس القيادة المركزية في الجيش الإسرائيلي، يشير إلى أن الحديث في السابق كان يدور عن عشرات من المتطرفين فيما الحديث يدور الآن عن أشخاص يعدون بالمئات، وقال شاماني »إن حادثاً دبره متطرف يهودي قد يحدث في أي وقت، وهؤلاء يتآمرون ضد الفلسطينيين وضد القوات الإسرائيلية.
ولم يفت ياغيل ليفي واضع كتاب من جيش الشعب إلى جيش الأطراف« أن يذكر بأن المتطرفين اليهود منتشرون في صفوف الجيش الإسرائيلي، بنسب كبيرة تكون النتيجة معها أن القيادة العسكرية تفقد سيطرتها على قواتها في الضفة الغربية، وهذا يفسر عدم إقدام الجيش على إخلاء البؤر العشوائية على الأقل، مشيراً إلى أن الصراع يتفاقم حول مستقبل السيطرة على الضفة الغربية، وإذا كان هناك شك في إمكان تطبيق اتفاق يلزم بإخلاء مستوطنات على نموذج إخلاء قطاع غزة مع تغير تركيبة الجيش، فإن النتيجة التي سوف تترتب على ذلك هي أن مصطلح »جيش الدفاع الاسرائيلي سيصبح مصطلحاً شكلياً وليس تعبيراً عن الوحدة، بمعنى أن نظرية بوتقة الصهر« التي لازمت الجيش الإسرائيلي منذ قيام كيان العدو قد تلاشت، وبرأي ياغيل ليفي، عضو الهيئة التدريسية في الجامعة المفتوحة، فإن هذا هو ثمن الاحتلال الذي يجب أن يؤخذ بالحسبان .