إلا أن »اسرائيل « ضربت حينها بعرض الحائط الإرادة الدولية ممعنة في ممارساتها التهويدية للجولان ومحاولة إرغام أهلنا هناك على حمل الهوية الاسرائيلية لكن أهل الجولان انتفضوا رافضين هذا القرار ومؤكدين انتماء الجولان أرضاً وشعباً وهوية إلى وطنهم الأم سورية.
فقد بدأ الاحتلال منذ احتلال الجولان يعمل على محو الآثار العربية وتغيير معالمها الجغرافية والتاريخية، حيث باشر في عمليات هدم القرى العربية بعد طرد أصحابها الشرعيين، وإقامة المستوطنات اليهودية مكانها واستبدال أسمائها العربية بأخرى عبرية، وباشر في استبدال مناهج التدريس السورية، وفصل المعلمين والمديرين وإقالتهم من سلك التدريس، وأعلن عن أن كل مناطق الجولان المحتل مناطق تحت وصاية الحكم العسكري ، الذي طارد ولاحق الوطنيين، وصادر المياه والأراضي والمرافق الاقتصادية الصغيرة التي يملكها السكان، بحجة أنها أملاك للغائبين » الذين طردهم بقوة السلاح عن ديارهم« ، ومنع قيام جمعيات خيرية ونواد محلية، فيما فرض نوادي للهستدروت في محاولة لتنظيم السكان، ودمجهم في المؤسسات الإسرائيلية .. ونتيجة لهذه الإجراءات التعسفية تحول الجولان بأكمله إلى سجن مغلق، حيث نقلت سلطات الاحتلال أعداداً كبيرة من أبنائه إلى داخل السجون الإسرائيلية وأصدرت أحكاماً بحقهم بتهمة التحريض ضد الأمن.
وأدرك مواطنو الجولان خطورة السياسة الإسرائيلية الرامية إلى سلخهم عن انتمائهم الوطني والقومي وتجريدهم من جنسيتهم العربية السورية فأعلنوا رفضهم القاطع باستلام الجنسية الإسرائيلية مهما كلفهم ذلك من تضحيات، ومن أجل ذلك دعت الهيئات الوطنية إلى اجتماع عام تقرر فيه مقاومة المشروع الإسرائيلي وأدواته المأجورين.
وقرر المجتمعون بالإجماع الإعلان عن المقاطعة الاجتماعية والاقتصادية الكاملة لكل من تسول له نفسه استلام الجنسية الإسرائيلية، ومنع التزاوج منهم، وحظر المشاركة في أفراحهم وأحزانهم، وعدم التحدث معهم، ورفض أي تعامل معهم.
وأصبحت كل المناسبات الجولانية مناسبات يجددون فيها انتماءهم للوطن الأم سورية ورفضهم كل شكل من أشكال الاحتلال، وقد ردت السلطات الإسرائيلية على خطوات المواطنين بالقوة، والتعرض إلى الأماكن الدينية المقدسة التي كانت مراكز للقرارات والاجتماعات الشعبية الوطنية، والتعرض إلى ممتلكات المواطنين بالحرق والتخريب والإيذاء الجسدي الشديد.
وقد كان لموقف الحكومة السورية الرسمي الدور الأبرز في معارضة القرار وفضح الممارسات الإسرائيلية ضد المواطنين العزل في الجولان، ما أعطى لنضال مواطني الجولان دعماً أخلاقياً ووطنياً وشرعياً في المقاومة للمشروع الصهيوني، وبناء على طلب الحكومة السورية رفض مجلس الأمن الدولي القرار الإسرائيلي، واعتبر باطلاً لاغياً، لا يتمتع بأي مصداقية قانونية دولية معتبراً الجولان أرضاً عربية سوريّة محتلة.
وقد تقرر في اجتماع شعبي عام في تاريخ 13/2/1982، حضر الآلاف من مواطني الجولان، الإعلان عن إضراب مفتوح يشمل كافة المرافق الاقتصادية والتعليمية والتجارية، ويمنع أي تعاون مع سلطات الحكم الإسرائيلي ، احتجاجاً على الممارسات التعسفية الرامية إلى تطبيق القانون الإسرائيلي على أبناء الجولان بخلاف رغباتهم وبخلاف المواثيق والقرارات الدولية التي تضمن حقوق شعب يرزح تحت نير المحتل.
استمر الاضراب العام والمفتوح ستة أشهر متواصلة، عانى فيها السكان من النقص الشديد في الدواء والعلاج والغذاء وخاصة الأطفال منهم، بعد أن أحرق الإسرائيليون مخازن علف المواشي، وكان الجولان خلالها منطقة محاصرة ومعزولة تماماً عن العالم.
سبعة وعشرون عاماً مرت على قرار الضم كانت عبارة عن اجتثاث لانتماء وأصول شعب عريق، وأربعة وخمسون عاماً من عمر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، كانت عبارة عن محو وتدمير شعب أصيل الانتماء.
والتاريخ يؤكد لنا أن الجريمة لا يمحوها الزمن ولا الاجراءات الواهية ، مهما بلغت ومهما طالت بها سنون القتل والتدمير من محو وسلخ وتغيير هذا الشعب المتجذر بأرضه، وستشع نيران نوره من جديد لتضيء مستقبل أجياله.