أملاً في أن يعيد هذا الرئيس الجديد اكتشاف حيوية السياسة الأميركية، وما زالت موجة التفاؤل التي اجتاحت العالم بفوز أوباما، تلهب خيال السياسيين وغير السياسيين في العالمين العربي والإسلامي، وتثير لديهم الأمل بأن الإدارة الجديدة سوف تصنع التغيير، الذي طال انتظاره بعد ثماني سنوات عجاف من الحروب والسياسات الفاشلة للمحافظين الجدد، التي سدت أفق الرؤية لدى كثير من الشعوب،
وما زال الكثيرون في بلداننا ينظرون إلى شخصية الرئيس أوباما. بجذوره المختلطة، وخلفيته الثقافية المتنوعة؛ التي جمعت بين الأميركية والإفريقية والآسيوية، بين المسيحية والإسلامية، بين الأبيض والأسود، وكأنه يعكس نوعاً من التكامل بين الثقافات والأجناس، على نحو يعيد لشعوب العالم بعضاً من آمالها في العدالة والحرية والرخاء، ولكن الواقع يقول :إن الأماني شيء وتحقيقها شيء آخر، ولا يمكن أن نعلق مصير العالم والإنسانية، وليس العرب والمسلمين فقط على حكمة شخص واحد أو رئيس واحد، مهما جمع حوله من المستشارين، فالتمنيات لا تتحقق إلا ببذل الجهد والمثابرة، وللأسف الشديد فإننا في العالم العربي، نجلس في انتظار من يدعونا أو يطرق بابنا لحل مشكلاتنا، وكما هي عادتنا دائماً، فسوف تسعى كل دولة عربية على حدة، ودون تنسيق إلى اقتناص الفرصة لتدعيم علاقتها مع الإدارة الجديدة، واكتشاف الطريق إلى أوباما والدائرة المحيطة به من المستشارين الجدد، أو القدامى الذين ورثهم عن كلينتون، رغم أن الواقع يحتم علينا، بعد ثماني سنوات من المراوغة والمداورة مع إدارة بوش، التي خسرت فيها القضايا العربية كثيراً جداً، أن نتفق جميعاً كعرب على موقف واضح محدد، يسمعه أوباما ومستشاروه من كل دولة عربية على حدة، كما يسمعه منهم مجتمعين، ولعل أخطر ما يهدد الموقف العربي الآن هو تلك الانقسامات الفلسطينية والصراعات المتصاعدة بين فتح وحماس، والتي لا يمكن تبرئة الدول العربية من مسؤوليتها، في العجز عن حلها، وأحياناً في تفاقمها.
لقد نجحت إدارة بوش بالتعاون مع »إسرائيل« في إحداث هذا الصراع العميق في القضية الفلسطينية، لذلك إذا ظل العرب على نفس سياساتهم الحالية، وحين يذهب الرؤساء العرب للقاء أوباما أو هيلاري كلينتون، فلن يجدوا أمامهم غير بوش وكوندليزا رايس في صورة متجددة ومتطورة.
علينا نحن العرب ترتيب البيت العربي الكبير، من المحيط إلى الخليج، لصياغة مطالب عربية واقعية منظمة، لتنال القبول لدى إدارة أوباما، فلا يتوهم أحد أن تكون نكبة فلسطين من أولويات أوباما الضرورية، أو الخروج بدون ثمن حقيقي يدفعه الأميركيون في العراق.
علينا كعرب ومسلمين إعادة اللحمة للنسيج العربي- الإسلامي، والإسراع نحو التوحد، حتى نذكر هذه الإدارة الجديدة بأولوياتنا، خاصة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.. نتوحد لنذكره بأن في بلادنا أغزر مناطق النفط في العالم، وبدونه ستتقهقر أميركا وتختنق أوروبا، وإن في بلادنا الممرات البرية والبحرية والجوية والمواقع الاستراتيجية، التي تمكنها من التحكم في مصير القارات الثلاث الرئيسية في العالم، فنحن الأقوى بسبب هذه المميزات التي تنفرد بها الأمة العربية فعلينا أن نتوحد لتعيد إدارة أوباما نظرة أميركا في صراعات الشرق والعالم العربي الكبير.
لا بد أن نكون قوة عربية فاعلة، وليس مفعولاً بها دائماً، حتى لا تظل أحداث الحادي عشر من أيلول، التي هي صناعة أميركية- صهيونية بامتياز، الموجه الرئيسي لسياسات البيت الأبيض، في ظل إدارة أوباما، لتدشين نظام عالمي تحت ستار الإرهاب، لتدمير القوى التي يراها الصهاينة خطراً يتهددهم، فكانت العراق أول القصيد، ولم يكن غريباً أن يصبح الحدث عنواناً كبيراً انطوى على انتشار الجماعات المسلحة والميليشيات، التي اصطنعت بؤراً للصراع، وكلها تتنقل داخل حدود العالم الإسلامي بشكل عام وداخل حدود العالم العربي بشكل خاص، والواضح أن سياسة المحافظين الجدد بقيادة بوش الابن قد أدركت في نهايتها سلبية ما صنعته بعد الحادي عشر من أيلول. فكان التراجع عن مسميات ومشاريع أشهرها مشروع الشرق الأوسط الكبير .
إننا بحق أصبحنا في عصر الأباطيل، الذي تجسدت فيه قوة الشر العالمية في شخصيات باتت معروفة للعالم أجمع بالاسم والملامح، لأنها أسماء حملت في دلالتها معاني الإفساد والتشويه، وكلها سوابق لا نظير لها في التاريخ منذ امتلكت هذه الشخصيات صناعة القرار والتحكم في العالم.. لذلك، ليس أمامنا في عالمنا العربي إلا أن نختار بين أمرين: إما أن نصبح غنيمة الصراع ولا نصيب لنا فيه، أو أن نصبح قوة من قواه لتأمين كيانها والنهوض برسالتها في مصير ذلك العالم.
كاتب وصحفي مصري