ودون أن يأخذوا باعتبارهم أنه من دون الأمن والسلام لن يكون ثمة حل مناسب للقضايا الاقتصادية، ونجدهم يعلنون عن مساعيهم لتوفير شبكة أمان مالي لصناديق الادخار طويلة الأمد وصناديق المتقاعدين، الأمر الذي أحيا الأمل في نفس كل فرد من أفراد المجتمع، أما تسيبي ليفني فإنها بدلاً من أن تحدثنا عن مآل مدينة القدس وتقسيمها، نجدها تسترسل بالحديث عن نزاهتها ومبادئها الأخلاقية، علماً بأنها هي من أسبغ الصفات المثالية على شارون، ذلك الرجل الذي دخل ابنه السجن لأسباب أخلاقية ارتكبت من قبله.
إن إعطاء المقام الأول للقضايا الاقتصادية قد جعل ايهود باراك يفلت من الأسئلة المحرجة مثل مدى نظرته إلى اعتبار محمود عباس شريكاً له في وضع السلام، وما مقترحاته لمعالجة وضع الأراضي، ومكن بنيامين نتيناهو من الإدعاء بأنه سيكون المنقذ الاقتصادي الوحيد لاسرائيل ، لكنه بدلاًً من أن يتقدم منا بمشروعه الاقتصادي، نجده يبحث في أمور الاحتلال والمستوطنات، إن الانصراف في الحملة الانتخابية إلى موضوع توفير شبكة أمان مالي لن يحمل خصومنا للسير في ذات الاتجاه، حيث نجد أن ايران وسورية تبحثان مستقبل اسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وعقدتا مؤتمراً في دمشق حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أكدتا بموجبه على عدم التنازل عن هذا الحق، باعتباره حقاً شخصياً لكل لاجئ فلسطيني، وليس لأي جهة التفاوض عليه، كما وعقد مؤخراً في القاهرة مؤتمر لوزراء الخارجية العرب أبدى به وزير الخارجية السوري وليد المعلم تعاطفاً مع حماس في نزاعها مع فتح، الأمر الذي آثار حفيظة صائب عريقات (الذي يعتبر ممثل السلطة الفلسطينية) في الاجتماع ، كما أن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قد صرح في الآونة الأخيرة أن الضفة الشرقية لبحيرة الحولة كانت وستبقى الحدود بين سورية و(اسرائيل).
إن الاحباط الذي لحق بالملك الأردني جراء المفاوضات اللانهائية بين اسرائيل وفلسطين جعله يفتح أبواب بلاده لقادة حماس و مثله في ذلك مثل قادة الدول العربية الأخرى، الذين يعتبرون بأن بقاء عباس في السلطة أصبح أمراً متعذراً، وإنه في أيامه الأخيرة في السلطة ، ولن يفلح القرار الأخير بتسميته رئيساً للدولة الفلسطينية بإعطائه أي ميزة جديدة، بل إنه القى الضوء على مدى ضعف القائد الفلسطيني الذي يبذل قصارى جهده لعله يحقق شيئاً ما في العملية السياسية .
لقد حاول عباس، على مدار عام كامل ، أن يخفي حقيقة فشل مؤتمر أنابوليس، من حيث كونه قذيفة تخلو من المتفجرات، وأن التغيير المتوقع لإدارة الدولة في (اسرائيل) يسير باتجاه تولي الأمور من قبل جهات لا تؤمن بالحل السياسي للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني، الأمر الذي سيعري عباس ، ويكشفه على واقعه، ولن تفيده الألقاب التي تسبغ عليه حتى لو جرت تسميته ملكاً لفلسطين، أما الرئيس الجديد للبيت الأبيض فلن يتسنى له عرقلة الانتصارات التي حققتها حماس الممتدة من قطاع غزة حتى رام الله ، وعندها ستجد الحكومة الاسرائيلية أن الضرورة تستدعي إعادة الحكم العسكري إلى ما كان عليه، الأمر الذي يقودها إلى فرض ضرائب جديدة ، لتوفير شبكة أمان للعاطلين في الأراضي.
ستبقى الأحاديث والحوارات منصبة على الأزمة الاقتصادية طالما لا يوجد في الوقت الحاضر عمليات انتحارية، لكن قذيفة واحدة تتسبب بإصابات في الجنوب سيكون لها وقعها في (اسرائيل ) أكثر مما أحدثته مبادرة السلام العربية التي وقعتها(22) دولة عربية.
لا شك أن الانتخابات البرلمانية الثامنة عشرة تكتسب أهمية خاصة لكن من غير المسوغ أن تنحصر توجهاتها بالمسألة الاقتصادية ، وتوفير شبكة الأمان الحالي، في حين توجد مواضيع أخرى تفوقها أهمية بعشرات المرات، وفي مختلف الأحوال ليس ثمة مرشح واحد لديه حل سحري لمعضلات الأزمة الاقتصادية ، كما وأنه يتعذر على أي ناخب التوصل إلى تحديد الفروق بين برامج الأحزاب السياسية في المجال الاقتصادي خاصة في ضوء ما شاهدناه منذ بضعة أيام في مواقفه ، وتبنى رئيس المعارضة للخطة المالية التي تقدمت بها الحكومة.
ليكن معلوماً لدى الجميع أن مشكلتنا الرئيسية ليست بالمعضلة الاقتصادية وإنما بتحقيق الأمن والسلام.