تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أحلام تتلاشى...خلــــــف قضبـــان (المنفــــــردة)!!

ثقافة
الأحد 14-12-2008
لميس علي

قضبان حديدية... وأخرى وهمية...‏

تمثل الأولى أمامنا، تحبسنا خلفها... وتنزرع الثانية في وجداننا، في لاوعينا وحتى في وعينا... تنخر في الصميم، محاولة هز وإسقاط أي إمكانية للحلم، للاستمرار أو للحياة بحد ذاتها...‏‏

قضبان (المنفردة) تلك التي حاصرت كلا من (أبو نضال، نوار بلبل) وكذا السجان (مهنا، رامز أسود) امتلكت إذاً مقدرة الحبس - السجن مابين جدرانها... جدران تتمدد.. وقد تستطيل وتنمو لتغزو أحلام الإنسان، أغلى مالديه، وما يحيا لأجله.‏‏

(المنفردة) عرض فرقة مسرح الخريف الذي قدم على خشبة القباني، كأحد نشاطات احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008م. وهي ليست سوى الزنزانة التي تجمع ما بين السجين والسجان ( الضدين، النقيضين).. هي بشكل أو بآخر (المكان)، مكان التقاء هذين الاثنين، باختلافاتهما وفوارقهما.‏‏

وعلى الرغم من ذلك هي أخيراً الأرضية الوحيدة الواحدة المشتركة التي يقفان عليها معاً.‏‏

يبدأ العرض بمشهد تعذيب، السجان يقوم بتعذيب السجين الرافض لتوقيع يتعهد من خلاله ترك نضاله (عمله السياسي كما يبدو لنا).‏‏

سرعان ما يمضي وقت التعذيب، لينقلب حالهما إلى حال نقيض... فها هما يشتركان بالتدخين، بشرب الشاي، بالحديث عن الأسرة وغيرها من أمور حياتية...‏‏

ولن يقف الأمر عند هذه الحدود، بل يتعدى ذلك ليظهر السجين (أبو نضال) كما لوأنه الآمر - صاحب الكلمة، في اللحظات التي يتولى فيها تدريس السجان (مهنا).. هكذا يتناوب الاثنان على أخذ دور (الأقوى) على اختلاف معاني كلمة الأقوى، هل يجوز لنا قول: أخذ دور (السيد أو المعلم).... المهم أن كلاً منهما يؤدي دور صاحب السلطة النافذة على الآخر وصولاً إلى حالة التوازي، بمعنى لاسجان ولاسجين في لحظة ما.‏‏

غرائبية العلاقة القائمة بين الاثنين لن تمنع أي منهما إخبار الآخر بأهم تطلعاته في الحياة، فبينما يسعى (مهنا) لنيل شهادة (الكفاءة) ليفخر به ابنه الذي يحلم برؤياه والذي طال انتظاره، في هذه الأثناء يظهر (أبو نضال) تشوقه لرؤية وضم أبنائه الثلاثة، هو الآخر...‏‏

لربما اشتمل التعبير عن هذه العلاقة الغريبة وأنبأ عن حاجة كل منهما للآخر، فكل ضد يحتاج إلى ضده لإدارك نفسه ومعرفتها نهاية.‏‏

ولربما هي علاقة ناشئة بدوافع إنسانية بحتة، على الرغم من غرابة الظروف المحيطة... وفي كلا الحالين تتسرب (لحـظات - إشارات - رسائل) ذات مضامين غاية في الشعور الآدمي الحقيقي المشترك بين جميع بني البشر.‏‏

على مستوى الأداء تأتي المنفردة استمراراً لنفس الأسلوبية المتبعة من قبل أفراد الفرقة التي تعمد استخدام كامل طاقات الممثل، لدرجة الوصول إلى التفجر الأدائي أحياناً - شاهدناه هنا - أداءً صوتياً، أي طاقات صوتية أكثر منها حركية... وثنائي العمل يتقن ضبط أدائه عبر ثنائية الأخذ والرد....‏‏

إذاً هناك تكامل أدائي وكأنما وظف ليكون إعادة ومؤشراًَ لاختلاف كائن ما بين الاثنين، على المستوى النفسي الأعمق وربما (الفكري) أيضاً...‏‏

وبمعنى من المعاني فإن هذا الاختلاف هو اختلاف مواقع (سجين وسجان) وبالتالي اختلاف مواقف... ولأجل ذلك لن تلتقي نظراتهما، بل يوجهانها في غير اتجاهاتها المنطقية المفترضة... يتحدث أحدهما مخاطباً الآخر دون النظر إليه، وكذا الأمر بالنسبة للمخاطب يوجه نظرة في غير جهة محدثة....‏‏

لعبة إخراجية توحي بالاختلاف والتماهي بذات الوقت.....‏‏

لن تلتقي النظرات ولن يتقابلا وجهاً لوجه إلا في المشهد الأخير، لقطة الخاتمة تحديداً، إذ يتواجهان متأملين بعضهما، وكما لو أن النهاية التي آلا إليها هي واحدة... انكسار الحلم، أو عدم اكتماله... بموت (ابن مهنا)، وخسارة (أبو نضال) لأبنائه، لالشيء إلا لأنه اختار أن يختار... أن يكون له موقفه الخاص دون أي إملاء من زوجته أو أبنائه..‏‏

وحتى في هذه اللقطة هناك تكاملية ما، على مستوى الموقف... (مهنا) لاحيلة له بفقدان ابنه، (أبو نضال) يحاول أن يختار/ يحدد موقفاً له بالرغم من كل الظروف.‏‏

على العموم... ترسم هذه النهاية ملامح التقاء ما، ما بين النموذجين - الحلمين الحياتيين... فما القضبان الضوئية التي ظللتهما في النهاية إلا دليل على وجود سجن ما سواء أكان مرئيا مادياً ، أم معنوياً داخلياً لا مرئياً، يكبل أحلامنا.... ويجعلنا نشعر بثقل تلك القضبان الجاثمة فوق أرواحنا..‏‏

السينوغرافيا كانت كما هي عادة الفرقة بسيطة، تتيح الفرصة كاملة أمام الأداء (التجريب الأدائي) الذي يملأ الفضاء المسرحي لدى فرقة مسرح الخريف.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية