تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عبد اللطيف الصمودي تناغمات النص البصري

ملحق ثقافي
الثلاثاء 3 /1/2006
محمود شاهين

في منزله بمدينة «عجمان» بدولة الإمارات العربية المتحدة التي يقيم فيها منذ مايربو على ربع قرن من الزمن،

وعلى حين غرة (سكته قلبية) أنهى الفنان التشكيلي السوري المتميز «عبد اللطيف الصمودي» يوم الجمعة 42/6/5002 الجزء الأخير من لوحته الفنية المتفردة التي كان قد بدأها في محترفات كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 5791 مطلقاً عليها عنوان «اللون والحركة في الخيالات الشرقية». ويوم الأحد 62/6/5002، وقبل الآوان، عاد عبد اللطيف الصمودي إلى مسقط رأسه «حماة» لينهي رحلة الحياة التي بدأها العام 8491 وعاش نصفها في وطنه، ونصفها الآخر في السعودية والإمارات العربية المتحدة. أعلن عبد اللطيف الصمودي، منذ مشروع تخرجه من كلية الفنون الجميلة بدمشق منتصف سبعينات القرن الماضي، عن مشروع ثقافي بصري، شرقي السمات، يستند إلى الإرث المحلي، العربي والإسلامي والشعبي السوري، وعلى نوع من التجريد الروحي، زاوجه في البداية مع الشخصيات، ثم قصره على عناصر وموتيفات ومفردات وأشكال مستقاة في الفنون التطبيقية الإسلامية، والمشغولات العربية الشعبية، خاصة التوريقات والزخارف المستخدمة في ترويق الأقمشة بوساطة القوالب والأختام الخشبية اليدوية التي اشتهرت بها مدينته حماة. وبالتدريج، استشرف بلوحته، آفاقاً جديدة، من الجدل والحوار الذهني الداخلي العميق، متكئاً على المزيد من التوريقات والرموز والموتيفات الشرقية التي أخضعها لمزيد من الاختزال والتلخيص والغنى اللوني والخطي (للرسم) لتبدو وكأنها سجادة سعيدة بمحولاتها من الخطوط والألوان والعناصر والتأليف البصرية المموسقة بمزاج بصري روحي شرقي، يتماهى ويتآلف، مع حداثة تجريدية، ترتبط بتجارب الدادائيين والتعبيريين. شكلت نصوص عبد اللطيف الصمودي البصرية المموسقة هذه، ميداناً رحباً، استعرض فيه ثقافته التشكيلية، وخبراته التقانية، وقراءته المتشعبة والعميقة، للفكر الشرقي والغربي. كما شكلت هذه النصوص الساحرة، فضاءات رحبة لروحه وتهويماتها الصوفية المشعبة بحب الشرق الذي اعتبره (أول ارتشاف تبل به المعرفة دمها، وأول سعي تبلغت به العناصر أسماءها، والمكان الذي اختارته السماء للرسل والأنبياء). يقول عبد اللطيف: (لست سوى شرقي أحسن صحبة زهر الأرض، ونجم الليل، وغاص لفوق مكان القلب بماء الفجر، وأسكن فوق الثوب، وتحت الثوب، لهيب الشمس. لست سوى شرقي آمن بالأنهار، تعلم منها أن العين تضم قصوراً، أن السمع يضم قصوراً، ان الروح تدوم وتبقى، وبأن الإنسان بلا إنسان، لا يملك شيئاً من معنى). هكذا، وبقوة، يعلن الصمودي انحيازه للشرق، للجذور الأولى لحضارة الإنسان، أمضى عبد اللطيف عمره، يناضل تارة بالفن، وتارة بالنص المكتوب المتماهي بشدة مع نصه البصري، من أجل خلق نص جديد، حاضن لقيم هذا الشرق النقية، العظيمة، الرفيعة.. الشرق الذي حط الانطباعيون بعيونهم فيه، فتحررت ألوانهم من عقالها، كما يقول عبد اللطيف. ويتساءل بحميمية وحماس: أهي الرؤية؟ أم النور جعل الروح تسعى في فضاء أكثر حجماً ومدى ولوناً،ومن ثم أكثر شكلاً وحلماً.. لتتم وتكتمل مع بدءها ونهايتها معاً. من هنا، من هذا الشرق، اكتشفت رسم اللون. أدركت السطح المفتوح ولا حدودية الزمن وفضاء الروح). تغلغل عبد اللطيف الصمودي في روح الشرق، ناسجاً نصه البصري المموسق والجميل، وبهذا النص ومن خلاله، حاول تحصين نفسه وفنه تجاه غول العولمة الزاحف لاقتلاعنا من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا: (إن العولمة ما هي إلا شكل جديد من أشكال الاستعمار القادمة إلينا. أعمال الفقاعات الحديثة ليس لها مردود، وإن ما يولد الآن بسرعة، يموت بصورة أسرع في الغد)؟!! هكذا ينظر عبد اللطيف إلى العبث التشكيلي القائم على قدم وساق حوله، هذا الذي تتبناه وتروج له الإرساليات الثقافية الغربية، وتعمل جاهدة، لكي يستوطن جسد الفن الشاب المعاصر في بلادنا العربية، تمهيداً وتوطئة، لتدميره وقذفه عن جذوره وعن مستقبله في آن معاً!! طور عبد اللطيف الصمودي موهبته الفنية الحقيقية والأصلية، بالدراسة الأكاديمية، وعمقها بالبحث الذاتي، عبر الانكباب الدؤوب والمجتهد، على التجريب، والإطلاع، والقراءة، ما جعله يملك بقوة، ناصية التعبير الفني، وناصية الكتابة التي وظفها من أجل فنه، فهو لم يتجه إلى ممارسة النقد الفني، أو الكتابة الصحفية، ولا إلى التنظير والفلسفة، إنما كرس كل شيء لفنه الذي مارسه بكثير من الحيمية والصدق والشفافية والتمكن والوحدة التي شهدت حالة حيوية من التطور الصياغي العميق والمتزن، إنما ضمن الملامح العريضة تشخصيته والأصول التي نهضت عليها. حضر فن عبد اللطيف الصمودي إلى دمشق عدة مرات، أثناء وجوده في مغتربه: مرة في معرض فردي بصالة «عشتار» وأخرى في معرض فردي بصالة مكتبة الأسد الوطنية، إضافة إلى بضعة مشاركات متباعدة، في المعرض السنوي للفنانين التشكيليين السوريين، ومعرض (أربعة زائد)، لكن أخباره كانت تصلنا باستمرار، من خلال زيارته المتكررة للوطن، أو من خلال الفنانين التشكيليين السوريين الكثر المتواجدين في الإمارات. رحل عبد اللطيف الصمودي، انقطعت أخباره إلى الأبد، غير أنها ستبقى تتردد في قلوب وعقول ووجدان من عرفه وعرف فنه، كما سيبقى عبد اللطيف خالداً في اللوحة الكبيرة التي بدأت في (دمشق) وانتهت في (عجمان) وولدت لوحات كثيرة، سافرت إلى مطارح كثيرة في العالم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية