تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فلسفة الحرية

ملحق ثقافي
الثلاثاء 3 /1/2006
ندرة اليازجي

إن إدراتي الحرة تفتح أبواب المعرفة والوعي وتعتقني من قيود الجهل. لماذا أبتغي الحرية؟

أبتغي الحرية لأنني لا أريد أن أكون مكبلا ومقيدا، فالجهل يكبلني بقيود العبودية التي تذل نفسي وكياني، والأنا المغلقة تقيدني بالانفعال الذي يخضع عقلي، والحق أن الأنا المغلقة تتأثر بالمؤثرات الخارجية وتنقاد لها، وتخضع للمنبهات التي تجذبها إليها،‏

فتصبح فريسة لها. وعندما تتأثر الأنا المغلقة بالمنبهات الخارجية التي تثيرها، تنفعل بها وتسلك على نحو لا يكون للعقلانية وجود، وعندئذ، تحقق الأنا انفعالها وتسقط الوعي الكامن في الكيان. الوعي يفعل في الإنسان على نحو طاقة ترشده وتنبهه، ويتجلى الوعي في عظمة العقل والإرادة،وتتحقق هذه الإرادة بعد محاكمة العقل التي تقرها المحاكمة الوجدانية،وتساعدني هذه الإرادة على حسن التمييز وحرية الاختيار، وتتجلى الحرية في وعي الحقيقة وتمثل الحياة بالإرادة، وعندئذ تكون الإرادة واعية وحرة، ولما كانت الإرادة حصيلة العقل والوجدان فإنها تتألق بحريتها. إني أريد الوجود إذن أنا حر، إني أفكر؛ إذن أنا حر، إني زمان ومكان متصلان بالوجود الكلي إذن أنا حر، إني ابن الحقيقة السامية الحرة، إذن أنا حر، ولا أستطيع أن أتصور نفسي عبدا، كما لا أستطيع أن أرى حقيقتي في الأنا المغلقة وعلى غير ذلك أسمو بنفسي حتى لأكاد أعتقد أنني كائن مطلق أتجاوز المكان والزمان، ولاحق، إن من يتميز بهذا الشعور، لا يخضع للعبودية، ولا يشرط نفسه بالانفعالات التي تكبله، ولا بالأنا التي تجعله يتيه في صحراء تقاليدها ومعتقداتها التي أعمتها، وحولتها إلى مقاومة سلبية. لا يتولد شعوري هذا من لا شيء فهو موجود في الحصيلة الناتجة عن التفكير والتصور، والحق، إن كل ما يصدر عن تفكيري الواعي يكون صحيحا وصادقا، هذا لأن عقلي لا يستنبط الآراء من اللاوجود إذ لا موجود في الوجود،وكل ما ندعوه لا موجودا هو وجود في صورة أخرى،ولا توجد سوى حريتي التي تنقلني من الوجود إلى اللاوجود لكي يكون وجودا حقيقا. إذن، فالأشياء كائنة، وحريتي هي التي تحيا كيانها، لقد قالت الحقيقة السامية للمادة: كوني.. فكانت.. هي حريته التي شاءت وإرادته التي فعلت، والحقيقة السامية حرة لأنها كلية المعرفة... وأنا أحيا حريتي فيها. تعني الحرية الانطلاق في عالم المعرفة والفضيلة، وأنا عندما أدرك جهلي أتحرر منه، عندئذ، تنفتح أمامي آفاق جديدة أشاهدها ببصيرتي، وأسمو إليها وتحثني المعرفة على محبة العالم ووعي الوجود، لذا كانت المعرفة سرا عميقا في داخلنا يكشف عن عمق وجودنا، ويتوقف اكتشاف وجودنا هذا على عمق إحاطتنا بالمعرفة التي تعبر عن قوة كامنة فينا لنعي ذواتنا. لا تفعل المعرفة في الإنسان ما لم يكن يحب، فالمحبة هي الدافع الأساسي للمعرفة، وهي الطاقة التي تتحرك في داخلنا لنعرف، ونحن لا نعرف الوجود إن لم نكن نحب الوجود؛ وعقولنا لا تعرف الحياة إن لم تكن تحبها؛ والرجل والمرأة لا يتلازمان في وفاق المعرفة إن لم يكونا متحابين؛ وأرواحنا لا تتآلف مع أبداننا لو أنها لا تتحد بالمحبة، والحقيقة السامية لا تتجلى في العالم لو لم تكن تحبها؛ والرجل والمرأة لا يتلازمان في وفاق المعرفة إن لم يكونا متحابين؛ فالمحبة هي الرباط القوي الذي يجذب عناصر الوجود إلى بعضها. ومن جانبي، أعتقد أن الذرات الروحية والمادية تنسجم مع بعضها، وتدور حول بعضها بفعل المحبة التي تسمى الجاذبية في لغة العلم.. والجاذبية هي تعاطف وانسجام ولقاء في كل واحد، والإنسان لا يحب الحقيقة السامية لو أنه لا ينجذب إليها أي يحبها؛ ولا يحب الجمال لو أنه لا يتعاطف معه؛ ولا يحب الخير لو أنه لا ينسجم مع نفسه، ولا يستطيع الإنسان أن يحقق عملا من أعمال الحياة إلا بفعل المحبة،وهكذا، بعد كل فعل من أفعال المحبة حرية وإدراكا ومعرفة، لأنها تشعل قوة الحياة في الإنسان.. وبقدر ما يحب الإنسان الموضوع يبدع فيه أي يعرفه؛ وبقدر ما يحب الخير يعرفه ويفعله؛ وبقدر ما يحب الجمال يبدعه؛ وبقدر ما يحب الفضيلة يعمل بها؛ وبقدر ما يحب الصدق يطبقه؛ وبقدر ما يحب الحقيقة السامية يحيا فيها؛ لقد أحبت الحقيقة السامية العالم فأبدعته بأكمل وجود، وأحبت الإنسان، فأبدعته على صورتها ومثالها، ولما كانت المحبة تستغرق ذاتها في المعرفة، فهي تحرر الإنسان من الجهل، لذا كانت المحبة حرية. رأيت الإنسان ينشد الحرية لأنه يريد الانعتاق من كل قيد وإشراط. وعلمت أن الحرية التي ينشدها، ليحيا في عالم منفتح، تتمثل في فعالية الوعي. ويتحقق وعي الإنسان لنفسه وللحقيقة السامية بتحقيق حريته في هذا الوجود.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية