تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فراشة من عالم أسود

ملحق ثقافي
الثلاثاء 3 /1/2006
أحمد جميل الحسن

لا أشك بأن الكاتبة «بانة نعيم رزق» تحمل موهبةً وطموحاً كبيراً في عالم القصة على الرغم من صغر سنّها الذي لايتجاوز "الثامنة عشرة" وتمضي بخطىً حثيثة نحو تحقيق هذا الطموح،وأن تكون بمثل هذا السّن وتصدر مجموعة قصصية تتضمن مسرحيّة أسطوريّة ذات مشاهد وفصول،هذا يعد إنجازاً يستدعي التوقف عنده والبحث بين سطور ما تكتبه بانة.

في مجموعتها فراشة من عالم أسود تبوح بانة عن عالمها الداخلي النقي بعفويّة وبراءة لم نعهدها في القص الذي تغلف فيه البراءة بالتكلف والمبالغة،فهي توظف عبر قصصها لغة محملة بالمشاعر الإنسانيّة والدلالات النفسية البعيدة التي تعكس الداخلي في شخصيات قصصها،‏

التي عبرت عن إحساسها وإحالة الخارجي على الداخلي،فالجانب الإنساني الممزوج بالرومنسيّة الشفافة، يشكل الحضور الأكبر في المجموعة،وتميل القاصة إلى جانب المرأة فهي تتحدث بضميرها وتكشف عن إحساسها وشعورها تجاه الرجل الذي تبحث عنه.أو تحبه،أو تنفر منه. في قصّة (يوم مثلج) تنعكس المعاناة الداخلية للراوية"الشخصية الرئيسية في القصة إثر قراءتها لرواية رومنسيّة على مظهرها الخارجي وانعكاس الحالة النفسيّة على المكان،فالرواية تأثرت بأحداث القصة وحركت هذه الأحداث ما بداخلها وجعلتها تتأثر بأجواء الرواية وكأنها تعيشها،فقد ذكرتها بالماضي الذي لا تستطيع الفكاك من سطوته على تفكيرها،فالماضي يشكل لها دائماً قلقاً وتوتراً قديكون بسبب تجربة عصيبة مرّت بها الرواية أو فقدان عزيز: (عواطفي وطموحاتي كل شيء كان يشكو وينعي برودة قارصة إلا أنا لأنني كنت أبدو أبرد من هذه الثلوج المتساقطة..أشعر أن داخلي جبالاً راسية من الثلج..في جسدي أعاصير وعواصف ثلجية دائمة لا تتوقف مع أنني من ذوات البشرة السمراء والعيون السوداء..وأنا فتاة في سن الشباب رشيقة وجميلة أستطيع الركض واللعب لكنني أشعر بصعوبة في الابتسام..ثم شرعت أتجول في الحديقة التي لم تعد تتميّز إن كانت حديقة أزهار أم مقبرة)ص16 قدّمت القاصة قصصها بالطريقة التقليدية التي يبدو فيها الترتيب اللغوي والزمني متطابقين إذ تبدأ القاصة سردها للقصة من البداية للنهاية بتواتر لغوي وترتيب زمني للأحداث دون تقديم أو تأخير وقد تستذكر من ضمن هذا السرد دون أن يشكل معنى حقيقياً للاسترجاع ثم تعود لتسرد بتواتر زمني ولغوي متطابقين كما في المقتبس التالي من قصّة"لأنني أنا": ( ذات مرة سألني أتتذكرين القراءة؟بطريقة ساخرة استفزازيّة وكأنه يعلم الجواب،لكن جوابي كان عكس ما توقع..هززت رأسي بالإيجاب (...) استلقيت على سريري ناسية كل شيء، أقرأ وأستمتع،أعيش القصص والحياة الموجودة فيه)ص83 إن ما يحدث في المكان الذي تعيش فيه القاصة ومحيطه العربي جعلها تتأثر بشكل مباشر بما يجري وينعكس على نفسيتها وأحاسيسها فالوجع الذي تشعر به جرّاء ماحدث في العراق وما يحدث من مجازر يوميّة في فلسطين شكل لديها صدمة عبرّت عنها في قصة"حب وبطولة" فنغم الصبية الصغيرة التي تحظى برعاية فائقة من والدها لم تكن ملامحها توحي بالسعادة،كانت منزوية في غرفتها تتألم بداخلها على شعب العراق وشعب فلسطين ولبنان، فتسرب لنا بانة من خلال سرد طغت عليه السوداوية التي ترافق شخصيّة "نغم" مدى تأثرها بما يجري وعلى حبيبها الذي ذهب ليقف مع إخوانه العراقيين في محنتهم وتكشف لنا هذه القصة عن وعي وطني وإحساس قومي تتحلى به القاصة،فقد كشفت لنا من خلال اقتحام والد نغم غرفتها مدى تأثرها بهموم شعبها العربي: ( وفجأة اقتحم عليها غرفتها وقطع عليها خلوتها!فوجئت بوجوده وسط غرفتها فليس من عادته أن يدخل إلى غرفتها هكذا،لكن عينيه لم تعيرا اهتماماً لها،إنما جالت مقلتاه على طول جدران غرفتها وعرضها فوجدها مليئة بصور المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة ومدججة بأشعار عن الانتفاضة وتحرير جنوب لبنان ومتزاحمة بأسماء الشهداء العرب،وبعدها استقرت عيناه على ابنته التي ازداد حبه لها أكثر فأكثر،وسالت من عينيه دمعة على خدّه وضم ابنته إلى صدره واشتم عبق الثورة الذي خرج منها وقال مداعباً:وأنا الذي كنت أظنك تعشقين شاباً أنيقاً وسيماً وتريدين إخفاء هذا الشيء عنّي)ص45-46 تبدو الرمزية واضحة في القصة التي حملت عنوان المجموعة"فراشة من عالم السواد"، اتكأت القاصة فيها على الموروث الشعبي وعملت على إسقاط دلالات على المعاش،فقد رمزت إلى الفراشة بالخير والمحبة والحقيقة،وأرادت من خلال توليفة القصّة أن يكون الملك الصالح هو المدافع والمنقذ لكل هذه الأمور،أرادت القاصة إن تقول لنا أن المحبة ستبقى بين الناس مهما تكالبت المصالح وطغت على تصرفات الناس،وكذلك الخير سيبقى يفرش ظلاله بين الناس مهما علا صوت الشر، والحقيقة ستبقى ساطعة رغم أنف الباطل المستشري بين الناس:(لن أموت..ما زلت أنطلق مع ضحكات الأطفال وأصوات المعاول وطرقات الآلة الكاتبة لن أموت..أنا كل شيء فمن دوني لا شيء يعيش نظرت إلى الملك الصالح وطلبت منه مداواة جروحها )ص79 هامش: الكتاب:فراشة من عالم أسود. الكاتب:بانة نعيم رزق. سنة الإصدار:2005‏

تعليقات الزوار

علي نصر  |  bemyangelnight@gmail.com | 02/03/2008 13:41

إنه لإنجاز نفخر به في أدبنا العربي بأن نجد فتاة من الجيل الصاعد تكتب وتنافس كبار الأدباء في العالم وفقها الله

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية