تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد فوز هولاند .. هل تغادر فرنسا العباءة الأميركية؟

شؤون سياسية
الأربعاء 9-5-2012
فؤاد الوادي

كما هو متوقع فاز الاشتراكي فرانسوا هولاند بمنصب رئيس الجمهورية الفرنسية وحقق انتصارا وصفه المتابعون بـ(التاريخي ) على منافسه الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي بنسبة 52 % ونسبة مشاركة تجاوزت 80 % بعد انتخابات على جولتين وصفت بالنمطية في شكلها ومضمونها شارك فيها عشرة مرشحين رئاسيين .

وبهذا الفوز يعود الاشتراكيون بقوة الى سدة الرئاسة بعد غياب دام 17 عاما ليصبح الحزب الاشتراكي يسيطر على البرلمان والحكومة والاليزيه إضافة الى رئاسة الاشتراكيين لثمان من اكبر بلديات فرنسا وسيطرتهم على 60 % من مجالس المحافظة ، وهو الأمر الذي يضع على عاتق الرئيس الفرنسي المنتخب حملا ثقيلا مضافا الى جملة من القضايا الهامة والاستراتيجية سواء على المستوى الداخلي او الخارجي والتي تشكل بمجملها تلك التركة الثقيلة التي ورثها عن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي شوه بحسب شريحة كبيرة من المواطنين الفرنسيين صورة فرنسا على المستوى الأوروبي وأحط من قدرها الى درجة لم يرتضها الفرنسيون حتى المقربين منه حزبيا واجتماعيا أعربوا في أكثر مناسبة عن انتقادهم للسياسة التي ينتهجها ساركوزي داخليا وخارجيا ، وهو أمر ساهم بطريقة او بأخرى برفع رصيد هولاند عند الفرنسيين على حساب ساركوزي الذي بات يشكل عبئا كبيرا عليهم .‏

ورغم هذا الحمل الثقيل الذي ورثه هولاند عن سلفه والذي يتميز بتشابكه وتعقيداته وخاصة على الصعيد الداخلي وتحديدا الجانب الاقتصادي والمعيشي للفرنسيين الذي وصل الى حدود مخيفة ، يبرز الى الواجهة السياسية ملفان اثنان يبدوان الأكثر إلحاحا لمعظم الفرنسيين خلال السنوات الماضية ، الملف الأول الذي بات يشكل هاجسا دائما للفرنسيين هو تلك العلاقة غير المتوازنة بين فرنسا وألمانيا والتي كانت تفوح منها على الدوام رائحة الهرولة الساركوزية وراء سياسات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل والتي نزعت عن جمهورية ديغول ثوب السيادة والاستقلال وجعلت منها تابعا لألمانيا كما قزمت دورها بشكل كبير جدا على مستوى القارة العجوز تحت حجج ساركوزي الواهية التي حاول من خلالها على مدار السنوات الخمس الماضية إقناع الفرنسيين بأن ذلك التقارب الفرنسي الالماني هو لمصلحة فرنسا بالدرجة الأولى .‏

أما الملف الثاني الذي يعتبر نتاجا للأول وانعكاسا طبيعيا له فهو تلك العلاقة الفرنسية الأميركية القائمة على تبعية الأولى المطلقة للثانية والتي كسرت كل الحدود والحواجز السيادية بين البلدين ، ذلك أن معظم القرارات الأميركية التي اتخذت على مستوى العالم وتحديدا منطقة الشرق الأوسط كانت فيها فرنسا السباقة الى الموافقة و الأسرع في تنفيذ كل المشاريع والمخططات الأميركية والصهيونية والغربية التي تهدف الى إعادة استعمار دول المنطقة وتقسيمها وتفتيتها ، وفي المثال الليبي والسوري خير شاهد على تلك الهرولة الفرنسية خلف الولايات المتحدة، تلك العلاقة التي وضع أسسها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وعززها ودعمها فيما بعد الرئيس ساركوزي الى حدود لم يعد بمقدور الشارع الفرنسي ان يتقبلها ، والى درجة دفعت بالكثير من الناخبين الفرنسيين الى التوجه الى المرشحين الرئاسيين لأخذ هذه المسألة المهمة بعين الاعتبار ، متسائلين عن مقدرة الرئيس المقبل لبلادهم في الخروج من تحت العباءة الأميركية التي أظلت السياسة الفرنسية خلال السنوات الماضية ،والعودة الى أمجاد ومبادئ شارل ديغول القائمة على سيادة فرنسا واستقلالها في وجه الإمبراطورية الانغلوسكسونية .‏

مانخلص القول إليه هو هل بمقدور الرئيس الفرنسي الجديد أن يعيد الى جمهورية ديغول سيادتها واستقلالها كما يرغب معظم الفرنسيين ؟ .. وهل بإمكانه أن يغير في وجه فرنسا الشاحب ويسترجع له بعضا من ألقه وحيويته ؟ .. وهنا نشير الى حيث تكمن المفارقة عند هولاند التي خلت دعايته الانتخابية من أي وعود بتعديل او تغيير في استراتيجية الاليزيه على الصعيد الخارجي من حيث وضع الحدود والقيود في التعاطي مع دول القارة الأوروبية عموما ومع الولايات المتحدة الأميركية خصوصا ، شأنه في ذلك شأن جميع المرشحين الرئاسيين الذين انحصرت برامجهم ودعاياتهم الانتخابية على القضايا والأمور الداخلية فقط بعيدا عن هموم ومشاكل السياسة الخارجية ، وفي هذا تناقض واضح غريب وعجيب من نوعه داخل الشارع الفرنسي الذي حسم أمره مكتفيا بتحقيق بعض من مطالبه الاجتماعية والمعيشية بعد أن فقد الأمل بتحقيق مطالبه في القضايا الاستراتيجية الكبرى ، ولعل الأيام القليلة القادمة كفيلة بكشف استراتيجية فرنسا هولاند على الصعيد الخارجي وتحديدا علاقتها مع الولايات المتحدة وألمانيا والغرب الاستعماري .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية