وحين تقف المدرسة عند هذا التوجه نجد أن عملها يصبح ليس مجرد العناية بالمعارف والمهارات وتوفير الفرص ليتعلم التلميذ بل يتجاوز تلك الواجبات ليمتد الى ميادين أوسع حتى يشمل صحة التلميذ العامة انطلاقا من أن التلميذ بحاجة دائمة للعناية والرعاية ليأخذ الخط السليم والسوي في نموه خاصة وحياته عموما .
جزء من العمل المدرسي ..
يعرف الكثير من الاختصاصيين أن التربية الصحية في المدرسة هي عملية تربوية يمارس من خلالها أشخاص يعملون في ميدان التربية من معلمين وعاملين صحيين تأثيرهم في سلوك التلاميذ الصحي من اجل إحداث تغيير فيه باتجاه الأهداف الصحية ، كما يسعون الى توفير كل الفرص الممكنة للتأثير في فكر التلميذ وما يشعر به وما يقوم به من أعمال وتصرفات تتصل بالصحة بغرض استمرار تكوين المعارف الصحية اللازمة عند التلاميذ والعادات الصحية المناسبة ليستطيع التلميذ فهم مايحيط به من أمور تمس صحته واتخاذ مايلزم من مواقف وإجراءات.
وتشير طائفة أخرى من الاختصاصيين التربويين الى ان التربية الصحية هي ذلك الجزء من العمل المدرسي الذي يساعد التلميذ على تكوين معارفه الصحية وتكوين اتجاهات تنتهي به الى أشكال مقبولة من السلوك الصحي سواء كان هذا السلوك عادات صحية يكتسبها او اتجاهات علمية صحية يكونها او مبادئ صحية يفهمها ويراعيها وينطلق منها.
ويواجه التلاميذ في المدرسة مشكلات صحية متنوعة بعضها يكون بسيط من السهل اكتشافه والتعرف عليه من قبل المعلم او الموجه ، وبعضها الاخر يكون من الصعب اكتشافه او ملاحظته ، ويمكن وضع المشكلات الصحية التي يعاني منها التلاميذ في فئتين أساسيتين - الأولى تضم مشكلات صحة الجسم وتبدو في أشكال بينها أمراض يطول أمد بقائها وأخرى تنتهي بعد أيام معدودة ويكون منها مايؤذي التلميذ وحده او احتمال العدوى وإيذاء الآخرين وهناك أيضا مايكشف عن تغذية ضعيفة وسيئة وبينها مايتصل بضعف النمو الجسمي او الإفراط فيه بالإضافة الى التعب وعدم التوازن بين النشاط والراحة وكذلك نجد بين هذه الأمراض ماينطوي على ضعف او إعاقة في احد أجهزة الجسم الأساسية أو الإصابة في مركز عصبي أساسي ، أما الفئة الثانية فهي تضم كل المشكلات الأخرى التي لا يكون المظهر الغالب فيها نمو الجسم وتكامله وتتمثل بالمشكلات النفسية المختلفة التي تنطوي على شكل قوي او ضعيف من أشكال الاضطراب او تنطوي على ضعف شديد في الذكاء وهناك ايضا مشكلات تتعلق بعلاقاتهم الاجتماعية وماتنطوي عليه من صعوبات في الصلة مع الأسرة والأتراب والمجتمع الخارجي بالإضافة الى مشكلات تتصل بالتحصيل المدرسي ومايمكن ان يشمله من ضعف وتقصير وشؤون الإعداد للمستقبل غير الواضح واختيار المهنة وهناك إشكالات متعددة أخرى تأتي من حياة يعيشها التلميذ مع الآخرين .
التعليم الصحي ..
وفي هذا السياق تلجأ المدرسة الحديثة الى عدة إجراءات لمواجهة مشكلات الصحة الجسدية للتلاميذ وتأخذ هذه الإجراءات عدة أشكال حيث يستند الشكل الأول الى إجراء الاستشارات والمقابلات الصحية بين المعلمين او العاملين الصحيين والتلاميذ وأوليائهم ، اما الشكل الثاني فمن خلال التعليم الصحي غير المباشر ويكون عن طريق المقررات المدرسية و المناسبات المختلفة التي تمر بها المدرسة في حياتها اليومية وما تقتضيه من إجراءات يكون لها طابع صحي حيث يمكن ان يكون كل درس فرصة مناسبة لإعطاء الإرشادات والتوجيهات الصحية سواء تلك التي تتصل بالنظافة و اللعب في باحة المدرسة وسلوكيات التلميذ مع زملائه وهو الأمر الذي من شأنه ان يخلق بيئة غنية تساعد التلاميذ على التدرب على الإجراءات الصحية المقبولة اللازمة لهم ولمدرستهم ، اما الشكل الثالث فهو التعليم الصحي المباشر الذي ينظم في حدود المرحلة الدراسية وحدود الزمن وضمن شروط من الموضوع والكتاب والطريقة ذلك أن مثل هذا التعليم غزير الفائدة إذا أحسن استخدامه دون إفراط ولكن الإكثار منه يمكن أن يؤدي الى حمل ثقيل يحمله التلاميذ وفي مثل هذا النوع من التعليم لايكفي الكتاب ومافيه من شرح بل يجب ان يدعم باستمرار بوسائل الإيضاح المختلفة وبالزيارات الميدانية للمؤسسات الصحية وكذلك يجب ان ينسجم هذا النوع من التعليم مع مايجري في ميدان التعليم غير المباشر والإرشاد الفردي حيث إن هذا التنظيم في التربية الصحية داخل المدرسة يدعم عادة بنوعين من الإجراءات الأخرى أولهما الاتصال المستمر بين المدرسة والأهل لتؤدي المدرسة وظيفتها في التوعية فيما يتصل بالأسرة والثاني إسهام المدرسة في التنظيم الاجتماعي داخل الحي المتصل بعمليات الوقاية والدعم في مجال الصحة العامة .
التربية الرياضية ..
ومن الإجراءات التي تركز عليها المدرسة في مواجهة المشكلات الصحية للتلاميذ التربية الرياضة حيث يتوجب تخصيص بضع ساعات في الأسبوع للرياضة و تربية الجسم وذلك من خلال العديد من الفعاليات الرياضية التي تتصف بعدد من الألعاب المختلفة التي يشترك فيها تلامذة الصف في قاعة كبيرة مخصصة للألعاب او في باحة خارجية واسعة ، فهذه الأجواء الصحية من شأنها أن تساهم الى حد كبير في الحفاظ على الصحة المدرسية للتلاميذ ، هذا بالإضافة الى وجوب تركيز المدرسة على التغذية التي تعتبر من اهم عوامل الصحة العامة للتلميذ لانها تمده بعناصر النمو والتعويض عما يفقده وتقدم له الطاقة اللازمة ليقوم بالواجبات المدرسية المختلفة وتوفر له كذلك عناصر القوة والمقاومة في جسمه ، ذلك ان التلميذ يكون في مرحلة نمو هامة وهو ينفق الكثير من الطاقة في دراسته ولعبه وهو لذلك بحاجة الى تغذية من كم ونوع يتناسبان مع نموه واستهلاكه ، وقد نجد من ناحية أخرى أن هناك بعض التلاميذ لا يتوافر لهم الغذاء من نوعية او كمية مناسبة او من الطرفين معا وبعضهم الاخر لا يجد الاهتمام والعناية اللازمة مما يدفعهم الى تناول ما يتوافر لهم من كمية ونوعية من الطعام غير متناسبتين معهم وهذا يؤدي الى وجود تلاميذ وطلاب يعانون من سوء التغذية بالإضافة الى فتور الهمة وقلة النشاط والاجتهاد عندهم وضعف المشاركة في العمل المدرسي .
تكامل الأدوار ..
وانطلاقا من ذلك فإن من واجب المدرسة أن تعنى بالتلاميذ في جوانب صحتهم المختلفة لتوفر لهم سبل النمو المتكامل المتجه نحو الأهداف التربوية المرسومة وحيث إن مسؤوليات المدرسة لا تقف عند حدود الحاضر فيما يتصل بالتلاميذ وإنما تأخذ كذلك المستقبل بعين الاعتبار حينما تهدف الى تخريج الأبناء الى ميدان الحياة حاملين معهم المعرفة المناسبة والتدريب الملائم والصحة الجيدة ، فالأهداف الصحية التي تسعى المدرسة الى تحقيقها تعتبر أهدافاً مشتركة وادواراً متكاملة بينها وبين البيت من جهة ثم بينها وبين المجتمع الخارجي من جهة أخرى وكما تقوم المدرسة بواجباتها يتوجب على البيت والمجتمع ان يقوما بواجباتهما عن طريق المؤسسات الصحية المختلفة ويكون التعاون بين هذه الجهات الثلاث هو الأصل في حسن نمو التلميذ واستمرار جودة صحته ، وتعتبر المدرسة عنصراً هاماً في استمرار الصحة الجيدة للتلاميذ لا من حيث ماتقدمه من خدمات فحسب بل من حيث ماتقوم به من توعية وتوجيه ودعم ومن حيث ما تساعد على تكوينه لدى التلميذ من الاتجاهات والعادات الصحية الجيدة .