نحو دور أوروبي فاعل في عملية السلام
شؤون سياسية الثلاثاء 12-1-2010 علي سواحة هاهي أوروبا التي وصفها الأميركيون بالأمس القريب بالعجوز تحاول كما يبدو نزع هذا الرداء عنها وترفع لواء الاستقلالية ولو بأدنى درجاتها عن التابعية الأميركية،
فأوروبا لم يسبق لها على سبيل المثال أن دخلت ميدان قضية الصراع العربي الصهيوني بهذا الحضور الذي بدأنا نتلمسه منذ تقرير غولدستون وماقبله القرار الأوروبي بشأن القدس، الذي اعتبر القدس عاصمة للدولتين، وذلك خطوة أوروبية غير مسبوقة في مجمل جوانبها وأهدافها بل هي خطوة في طريق التحدي في مواجهة التسلط الأميركي على القرار السياسي والمالي والاقتصادي، وهو أي القرار الأوروبي لم يأتِ من فراغ بل هو يمثل الرأي السياسي لأوروبا والقرار الحقيقي لها وهي خطوة لها بعدان لاثالث لهما، فإما أن تنجح أوروبا من خلال تحديها هذا في أن تأخذ الولايات المتحدة إلى الطريق الجديد أو أنها في قرارة نفسها تريد إزاحة واشنطن عن عجلة القيادة التي احتفظت بها منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ولم تقبل منذ ذاك الوقت بأي شريك لها، ولعل الكثيرين من الوسط الأوروبي قرؤوا في مواقف أوروبا الجديدة حتى في الخطوة التي اتخذها القضاء البريطاني مؤخراً رغم تراجع المسؤولين البريطانيين وتسابقهم للاعتذار من إسرائيل متعهدين بأن ذلك لن يحصل ثانية في أروقة القضاء البريطاني ضد إسرائيل ومسؤوليها ومجرميها قرؤوا في هذا التحول الجديد أنه إعادة نظر جدية في ممارسات إسرائيل كدولة احتلال في القدس وغيرها وحيال الحصار الذي لم يشهده العالم على غزة وكل ذلك نتيجة سياسة الدعم الأميركي لإسرائيل التي انحازت لها حتى في أخطائها في تقييم السياسة الأميركية، وهي بالطبع مسؤوليات أوروبية لم يسبق أن راجعها الاتحاد الأوروبي من قبل وهي أيضاً مراجعة كانت ذاتية مئة بالمئة حيث لم تخضع هذه المراجعة لأي ضغوط ولاسيما من الجانب العربي الذي للأسف لم يمارس هذا الدور الضاغط على أوروبا كما على الولايات المتحدة لأنه مازال دوره غائباً أو متغيباً -لافرق- بفعل حالة التشتت والتفرقة التي تعيشها هذه الأمة.
إن قراءة سريعة ودقيقة بنفس الوقت للخطوة الأوروبية هذه يجب ألا تمر عند الطرف العربي مرور الكرام كما هو ملاحظ لسبب بسيط وهوأن هذه الخطوة حيال أزمة الصراع العربي الصهيوني اتخذتها 27 دولة أوروبية، هي أعضاء في الأمم المتحدة واثنتان منهما (فرنسا وبريطانيا) تملكان حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ويعني أيضاً أنه عندما تتبنى هذه الدول الأوروبية أي قرار مقبل لمصلحة القضية الفلسطينية فإن واشنطن لن يكون باستطاعتها استخدام حق الفيتو ضده لأن ذلك سيوسع الهوة مع أوروبا وسيزيد ذلك من سلوكية التحدي بين الجانبين ولاسيما أن واشنطن إلى اليوم لم تعترف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للكيان الصهيوني، كما يردد ذلك هذا الكيان، أضف إلى ذلك أن الخطوة الأوروبية هذه في مواجهة الموقف الأميركي في انحيازه الأعمى لإسرائيل يمكن أن يجذب مجموعات دولية مهمة ومؤثرة لجانب الموقف الأوروبي وهذا بدوره لن يقود واشنطن لأن تفرض عقوبات على تلك المجموعات أو تلك الدول لانحيازها لجانب الموقف الأوروبي لأن مثل هذه الخطوة تسبب لواشنطن الكثير من الإحراج، كذلك ترى تلك الأوساط الأوروبية أن التقرير الأوروبي الأخير حيال القدس والذي تولت إصداره السويد الرئيسة الحالية للاتحاد الأوروبي هو تقرير يعيد الأمور إلى حقائقها وأصولها التاريخية على أرض الواقع وعدم الاعتراف بأي ضم إسرائيلي بالقوة أو بالتهديد لأراض خارج إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر عام 1967، فهذا معناه أيضاً عدم الاعتراف الأوروبي بالاحتلال الإسرائيلي للقدس ولا بالقانون الذي أصدرته عام 1980 بضم القدس الشرقية لها، إضافة إلى أن الأوروبيين يتبنون إلى اليوم صفة القرار الدولي الصادر عام 1980 تحت رقم 478 والقاضي برفض الاعتراف بالقانون الإسرائيلي وبأي تحرك إسرائيلي يهدف إلى تغيير الواقع في الأراضي المحتلة إثر عدوان إسرائيل عام 1967.
إن المتغيرات الأوروبية رغم الضغوطات التي مورست على العواصم الأوروبية للعدول عن خطواتها الجديدة في نظرتها وتفهمها لهذا الكيان الصهيوني المعتدي والمحتل لأراضي شعب أعزل يعني أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة في المحافل الدولية وفي الفهم الأوروبي بالذات لمجمل الصراع العربي الصهيوني وهذا يحتم بدوره أن تبادر أمتنا العربية إلى استثمار هذه الفرصة وألا تضيعها كما ضيعت بالماضي والحاضر وإلى اليوم فرصة ذهبية مماثلة قد تجد طريقها إلى النور لعلها تعيد الحقوق إلى أصحابها وأن تضع حداً لهذا المجرم المحتل لأرض فلسطين العربية.
|