وهؤلاء الخبراء كانوا ضالعين لسنوات طويلة مضت في عمليات التفاوض بين العرب والإسرائيليين.
وكانوا لا يخفون توقعهم للأسوأ ولم تكن توقعاتهم محصورة في الدائرة التي ترى المشكلة صراعاً بين العرب و«إسرائيل» فحسب بل إنهم واعترافاً منهم بفشل مساعي الحكومات الأمريكية المتعاقبة قد وسعوا زاوية النظر لتستوعب مختلف المشكلات والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة وباعتبار أن ازهاق الحل العاجل لقضية السلام يضر بمصالح أمريكا أساساً، وكان ذلك متفقاً مع رؤية ما يسمى المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية والتي ينتمي إليها تقريباً معظم من اختارهم أوباما وزراء ومساعدين ومستشارين والتي ترى أن كل المشكلات التي تواجهها بلادهم في المنطقة مترابطة ولا تنفصل عن بعضها بعضاً وتحتل القضية الفلسطينية فيها وضعاً مركزياً.
وهي النظرة نفسها التي كان قد أعلنها أحد الأقطاب الكبار في المدرسة الواقعية وهو جيمس بيكر عندما كلفه الكونغرس قبل ثلاث سنوات بمهمة دراسة الوضع في العراق وعاد ليقدم تقرير بيكر-هاملتون الذي رفضه الرئيس بوش.
وحين بدأ نتنياهو حكمه متخذاً توجهاً يخالف ما أعلنه أوباما من خطوط لسياسته تجاه الحل ومتمسكاً بصيغة الدولتين فإن ذلك بدا ولو نظرياً صداماً بين موقفين أو بين سياسة إسرائيلية ورؤية أمريكية لمصالحها.
ولا خلاف على أن حكومة بوش كانت قد تجاوزت ما كان يخص مصالح أمريكا وأمنها القومي في تعاملها مع سياسة «إسرائيل» تجاه عملية السلام وهو ما اعترف به الدبلوماسي الأمريكي ديفيد أرون ميللر الذي كان مشاركاً لسنوات في مفاوضات السلام في كتابه «الأرض الموعودة.. بحث أمريكا المراوغ عن سلام عربي- إسرائيلي» قال فيه:
إن سياسة أمريكا قوضت بشكل كبير نفوذ ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».
والآن فإن من أهم الأفكار والمقترحات التي أعدت لتكون ضوءاً كاشفاً أمام أوباما ما تضمنته تلك الدراسة التي شارك فيها 15 من أبرز خبراء الشرق الأوسط في أمريكا وجاءت بعنوان «استعادة التوازن.. استراتيجية للشرق الأوسط».
وهي استندت إلى خبرة وبحوث المشاركين فيها وكذلك سفر بعضهم إلى المنطقة واجرائهم لقاءات مع مفكرين وشخصيات متخصصة لبلورة سلسلة من التوصيات تقدم إلى الرئيس أوباما.
وهي ترسم صورة للتحديات التي سيواجهها والتي وصفوها بأنها خطيرة ومعقدة ومترابطة وتشمل: المشكلة النووية مع إيران والوضع في العراق ونفوذ أمريكي يضعف بفعل سمعة أصيبت بأضرار جسيمة، وعملية سلام مخادعة بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ومن بين ما تضمنته توصياتهم:
ضرورة أن تشرع أمريكا في إعادة تقييم أكثر عمقاً لاستراتيجيتها وأن تطلق مبادرة دبلوماسية شاملة وأن يجعل أوباما مهمة تحقيق تسوية سلام عربي «إسرائيلي» أولوية له.
والإخفاق في صياغة اتفاق سلام سوف يجد تعقيدات خطيرة لسياسات أمريكا تجاه المشكلات الأخرى لها في الشرق الأوسط وأن الصراع العربي-الإسرائيلي يظل قضية محورية ليس فقط لإسرائيل وجيرانها بل أيضاً للطريقة التي ينظر بها العرب للولايات المتحدة.
لكن اللافت للنظر هنا في هذه الدراسة هو الابتعاد عن سياسة عزل الحق للقضية الفلسطينية عن بقية المشكلات والتحديات الأخرى لأمن ومصالح أمريكا في المنطقة والربط بينها جميعاً وهو توجه ترفضه «إسرائيل» لأنه يعيد وضع الحل الفلسطيني في قلب المصالح الأمريكية ذاتها وهو مخالف لما كانت «إسرائيل» تحرص عليه من عدم الفصل بين أمنها وأمن أمريكا.
لكن السؤال: إلى أي مدى يعتبر أوباما قادراً على فرض سياسته هو نفسه أعلن تمسكه بها؟ ولو كانت على الأقل تنص على حل الدولتين الذي رفضته علناً حكومة نتنياهو. الإجابة لابد أن تضع في حسابها مايلي:
إن أوباما لايدير سياسته في فراغ لكنه يتحرك داخل خريطة يحكمها النظام السياسي الأمريكي والذي يسمح لمجموعات من القوى باستخدام ضغوطها على صناعة السياسة الخارجية وأهمها فيما يخصنا قوة الضغط اليهودي.
إن الفريق المعاون لأوباما يضم بالطبع شخصيات لاترى ما يراه الآخرون بالنسبة للمدى الذي تصل فيه السياسة الأمريكية إلى الضغط على حكومات «إسرائيل» وهؤلاء يمثلون كبحاً لهذه التوجهات حين تكون لديهم مبررات قوية وظروف إقليمية تعزز حججهم.
ستظل رغبة أوباما أو قدرته على التغيير المطلوب تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي تراوح في طريقها قوة أو ضعفاً نتيجة قوة أو ضعف الموقف العربي حسب منهج في السياسة الخارجية يقول عادة للطرف الآخر: ما الذي ستغيره لديك أنت أولاً؟ وما الذي ستقدمه لي مقابل ما تطلبه مني حتى ولو كان استخدام ما لديك من مقومات للضغط؟
فإذا ظل العرب بلا حراك استراتيجي فإن الحركة «الإسرائيلية» هي التي تملك التأثير الفاعل في الموقف الأمريكي.
هكذا تدار الأمور ولو كان لدى أوباما حسن النية والرغبة والرؤية لهذا تبقى التوقعات بشأن ما سيفعله أوباما في إطارها النظري حتى الآن على الأقل.