المتضررون في الحالين بكامل جهوزيتهم المسنودة من أجندتهم الإقليمية والدولية عادوا إلى الرهان على استخلاص الزبدة من خض الماء، إذ نشطت التحركات من أجل إحياء مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية على أسس يقال إنها جديدة وباركتها الوزيرة كلينتون في 8/1/2010 ويعتزم المبعوث الرئاسي ميتشل من أجلها زيارة عواصم أوروبية يؤوب بعدها إلى واشنطن قبل أن يتوجه إلى المنطقة العربية لإطلاق «عملية السلام».
بيد أن تفوهات أفيغدور ليبرمان في 27/12/2009 القائلة: إن السلام مع الفلسطينيين محال وحكمت مسبقاً بموت هذا الانتعاش، والملموس الباقي هو المغزى السياسي لقافلة شريان الحياة3 العصي على الالتفاف للإجهاض.
كيف: ولماذا تأخذ الأمور هذا المنحى؟
في المأثور أن «الضد يظهر حسنه الضد» والاهتلاك السياسي الذي يكابده نهج المساومة انعكاس تلقائي لعلو صدقية نهج المقاومة الفلسطيني ونزول أوسع تجاه أممي عند كونه قائداً لشعب فلسطين في الكفاح من أجل الحرية وفي ميدان مقطوع الصلة بالجري في ملعب أمريكا و«إسرائيل-ها».
وهذا هو المغزى الأبرز لبلوغ قافلة شريان الحياة3 غايتها رغم جرجرتها على محيط فلسطين بقيادة الرجل الشجاع جورج غالاوي.
فقد أنجز غالاوي المهمة وأوصل المساعدات الإنسانية من دواء وغذاء إلى مستحقيها الذين يحتاجونها بسبب الحصار الظالم المزدوج المفروض عليهم وقفل عائداً مبشراً، بشرى رجل الدولة الواثق بقافلة شريان الحياة4 القادمة إلى غزة لاحقاً بقيادة ثلاثية هذه المرة: أمريكية لاتينية، فنزويلا، إفريقية، جنوب إفريقيا، وآسيوية، ماليزيا.
مدلول قوافل شريان الحياة والحال يتخطى البعد الإنساني على أهمية الدواء والغذاء والكساء للمرضى، الجوعى، العراة، المحاصرين إلى البعد السياسي.
وهذا ما يدركه أفيغدور ليبرمان والمنخرطون في الحملة الجديدة للحصول على الزبدة من خض الماء.
أولاً جميعاً يدركون أن زمام المبادرة يتوضع في يد مقاومي غزة بقوة احباطهم لأهداف عدوان الـ 22 يوماً قبل عام وللهدف السياسي للحصار المستمر منذ مطلع 2006 حين عقد شعب فلسطين الراية لنهج المقاومة في انتخابات المجلس التشريعي.
وربما ينفرد ليبرمان وهو على رأس الديبلوماسية الإسرائيلية بالدقة في قراءة ما يجب من توضع زمام المبادرة في يد نهج المقاومة على أرض فلسطين.
هو أفصح عن أن «إسرائيل» ليست شريكاً في سلام يقوم على العدل، هذا السلام محال لأن ما تنشده هو اغتصاب الأرض والحقوق واستتباب الهدوء في هذه الوضعية تحت راية ما يسمى «السلام» ولأن نهج المقاومة في حلقته الفلسطينية «مسلح» بالعزيمة والثبات وبالإمساك بزمام المبادرة سياسياً فقد عاين ليبرمان الانسداد السياسي أمام السلام في مدى السنوات العشر القادمة على الأقل.
بالطبع يختزن هذا التحديد طمعاً في أن يسفر برنامج عدواني إسرائيلي نشط عن انتزاع زمام المبادرة من يد نهج المقاومة وإعادته إلى يد الفريق الذي يثقله الجري في الملعب الإسرائيلي منذ أوسلو 1993.
وبالأدلة السياسية لقوافل شريان الحياة التي تتقاطر إلى غزة وبالثقافة الأممية التي أشاعها تقرير غولدستون ثقافة التضامن مع شعب فلسطين المقاوم للعدوانية فإن ما يثقل كاهل «إسرائيل» على نحو أشد من ورطة فريق أوسلو هو تيقنها من مدى الكلفة الباهظة للعدوانية مادياً ومعنوياً ومن عجز هذه العدوانية عن انتاج سياسة يعتد بها.
وما لم يفصح عنه ليبرمان في قراءته الدقيقة للمشهد الراهن وآفاقه هو أن «إسرائيل» حكماً و «معارضة» نخباً وصناع قرار إنما تقع في لجة مأزق متحصل من شرخ هيبة الردع لدى جيشها في عدوان صيف 2006 على لبنان وفي عدوان شتاء 2009 على غزة.
وهذا المأزق يرتب لديها أولويات لا صلة لها بالنشاط السلمي المنتعش بمباركة الوزيرة كلينتون وبمن تستقبلهم تباعاً ولا بمن توفدهم الوزيرة للاستطلاع وتزجية الوقت.
في صدر أولويات «إسرائيل» ترميم هيبة الردع المشروخة والسير في الوجهة التي ترسمها المناورات العسكرية المتلاحقة الذاتية والمشتركة مع القوات الأمريكية وهي وجهة العدوان.
وعلى خط مواز لهذه الوجهة فإن مهمة الالتفاف على التتابع الإجرامي لتقرير غولدستون كمهمة الالتفاف على المدلول السياسي لقوافل شريان الحياة إلى غزة هي مهمة بالغة الإلحاح وتتقدم على أي حديث عن سلام واتصالات من أجله محكوم عليه من قبل «إسرائيل» كلها وليس ليبرمان وحده بأنه محال كالمحال في جمع الشتاء والصيف على سطح واحد.
وما يجب استخلاصه من حصافة ليبرمان في التعبير عن أن «إسرائيل» ليست شريكاً في سلام، هو أن أفق المشروع الصهيوني مسدود بقرينة محاولة توزير تسيبي ليفني كي تتوافر لها الحصانة ضد مذكرة جلب قضائية إذ إن مقاربة التصدعات في مبنى آيل للسقوط لا تكون بطلاء الشقوق.
Siwan.ali@gmail.com