فلكي تكون أجمل لا بدّ من ارتياد هذه الصالونات لمواكبة خطوط الموضة في عصر يعلو فيه شأن المظهر،وهنا تتساوى جميع النساء مع تفاوت الأعمار واختلاف المهن والمستوى الاجتماعي ، لكن مع اختلاف الأذواق ..
فهل خروج المرأة للعمل جعلها أكثر اهتماماً بمظهرها ، وما العوامل الاجتماعية المؤثرة في اختيارها للموضة ، البيئة أم طبيعة العمل ، أم ...؟
قمنا بزيارة عدة صالونات في مناطق مختلفة من مدينة دمشق ، واطلعنا عن كثب على أكثر الأماكن خصوصية للمرأة ، وهناك وراء الزجاج المغشى والمموه بالصور وأشكال قصات الشعر وألوانه التي تتراوح بين المعقول والغرابة ، يسود جو مليء بالخصوصية ، كما تكثر فيه الأحاديث المتنوعة بين نساء ربما اجتمعن لأول مرة ، بينما تصدح الأغاني في أرجاء المكان ... إنه المشهد العام الذي يجمع أغلب الصالونات ....
طبيعة العمل
بما أن المرأة خرجت للعمل ، فإن الاهتمام بالمظهر جزء لا يتجزأ من شخصيتها ، فضلاً عن أنه حاجة غريزية لدى الأنثى بالبحث عن الجمال ، تقول الدكتورة ايمان - أستاذة جامعية : اعتدت على ارتياد هذا الصالون منذ عشر سنوات ، وأصبحت أثق بذوقه ، فهو يعرف ما يناسب شخصيتي وعملي الذي يتطلب الرصانة في المظهر بعيداً عن التبرج والصرعات ، وهذا يستدعي زيارته مرة شهرياً للقص والصبغة ، أما العناية اليومية كالتصفيف فإني أعتمد على نفسي لعدم توفر الوقت .
راحة نفسية وتجدد
وتعتبرأم هادي - ربة منزل -أن ارتياد صالون الحلاقة له مفعول العلاج النفسي للمرأة ، تقول : أكثر شيء تكرهه المرأة هو منظر الشيب في شعرها لذلك عندما أصبغ شعري تتجدد نفسيتي، وأصبح اكثر ثقة بنفسي ، كما أن ارتياد الصالون هو نوع من الدلال للمرأة فتجد من يغسل لها شعرها ويسرحه ويهتم به وتعامل وكأنها ملكة .
ديكتاتورية من نوع خاص
من يفرض رأيه في النهاية ؟ فالمرأة لها ذوقها الخاص ، بينما للكوافير وجهة نظر معينة يحاول فرضها أحياناً يكون محقاً وأحياناً يكون نوعاً من الديكتاتورية، وهنا يحدث تصادم بين الطرفين ، تقول فداء : أفاجأ في بعض الأحيان بأن الحلاق قد قص شعري اكثر مما طلبته ، فأندم على الساعة التي أتيت بها إليه ، وحدث معي ذات مرة أن اضطررت للمكوث في البيت أسبوعين ريثما يطول شعري قليلاً .
مكلفة مادياً
بينما تقتصر زيارة البعض للكوافير بالمناسبات فقط ، تقول لمى - موظفة - لا أتقن تصفيف شعري لذلك عندما أدعى لمناسبة اجتماعية أضطر للجوء للحلاق ، أما في الأيام العادية فأترك شعري على طبيعته ، كما أني أصبغه في البيت ، فالعناية بالشعر عملية مكلفة مادياً ، كما أن الاهتمام بالبيت والأولاد إلى جانب دوامي ، لا يترك لي مجالاً للاهتمام بنفسي .
رجل أم امراة ؟!
اقتحم الرجال مؤخراً عالم الحلاقة النسائية وبرعوا فيه ، وهنا قد تفضل الزبونة الرجل وأخريات يفضلن المرأة ، تقول ازدهار طالبة جامعية :الرجل أقدر على إبراز جمال المرأة ، فهم برزوا في كل المجالات وتفوقوا فيها على المرأة كالطبخ وتصميم الأزياء، كما أن المرأة تغار من بنت جنسها ولا تحرص على الاهتمام بها بقدر الرجل .
الموضة في مجتمعنا لها خصوصية
ما الذي يحدد خيارات المرأة بالنسبة لمظهرها ؟ عن هذا السؤال أجابنا الكوافير بشار - صاحب صالون في منطقة الطلياني ، بقوله : عملنا هو عبارة عن عمل فني يتطلب الاحساس والذوق كونه يلامس المرأة ، وهذا يتطلب أن يحاول الحلاق التعرف على شخصية الزبونة وطبيعتها ، ليختار ما يناسبها ويلائم طبيعة عملها ، إضافة لشكل وجهها ، وهذا العمل بحاجة لتفهم من نوع خاص ، وألا يكون الحلاق ديكتاتورياً في فرض آرائه وذوقه الخاص ، وبالتالي المشاركة بالرأي وتنفيذ الأكثر ملاءمة .
أما بالنسبة للموضة في مجتمعنا فلها خصوصية معينة ، فالمرأة لدينا تتقبل الموضة المعقولة البعيدة عن الصرعات والجنون في الألوان والقصات ، فالكثيرات يفضلن الشعر الطويل ، والمرأة العاملة والتي لها احتكاك مباشر بالمجتمع تبتعد عن الألوان الصارخة والقصات والتسريحات المبالغة بالغرابة .
وكذلك تلعب البيئة المحيطة بالمرأة دوراً هاماً في تحديد خياراتها ، فالبيئة المحافظة تقيدها بنظام وإطار محدد لا تستطيع تجاوزه حتى لا تفهم خطأ ، أو تكون مرفوضة اجتماعياً ، هذا إضافة لخضوع المرأة لرأي زوجها أو خطيبها ، وهذا ما أحاول مراعاته ، فأسأل الزبونة ماذا يحب زوجها ، فأحياناً تصبغ لوناً محدداً ، ثم تعود لتغييره لأن زوجها لم يحبه .
المرأة تحركها الغيرة ويحكمها التردد
ولهذه المهنة متاعب أبرزها صعوبة التعامل مع المرأة ، وهذا ما يؤكده الكوافير بشار فكل امرأة تريد نفسها الأجمل وأحيانا لا تقتنع بالنتيجة وخصوصاً التسريحات والقصات ، فهي غالباً ما تتأثر بالصور التي تظهر بها الممثلات والمطربات حتى لو لم يناسبها ، وهناك تسريحات بأسماء هؤلاء الفنانات أصبحت رائجة ، فالمرأة تحركها الغيرة ويحكمها التردد ، والذي يريد العمل بهذا المجال عليه أن يكون عالم نفس حتى يستطيع فهم المرأة وإرضاءها كما يتطلب أن يكون متحلياً بالصبر وطول البال وقادراً على المجاملة .
أغلبهن يعتمدن على أنفسهن
ونصل إلى طرح تساؤل ، مفاده .. هل تختلف أذواق النساء من منطقة لأخرى ، يقول الحلاق أديب - صاحب صالون في مخيم اليرموك ، وله خبرة 28 عاماً في التعامل مع المرأة : الكوافير هو الذي يحدد الموضةكونه أكثر اطلاعاً وتواصلاً مع عالم الموضة ، وأنا أعرض رأيي على الزبونة وآخذ رأيها قبل التنفيذ وأنصحها وهناك 90٪ يتقبلن ذوقي والباقيات يصررن على ذوقهن الخاص ، وعموماً الموضة نفسها في كل مكان حسبما يطلق كبار المزينين في العالم من موضة ، بينما الأسعار هي التي تتفاوت من منطقة لأخرى .
أما عن نوعية الزبونات الأكثر تردداً ، يقول أديب : كل امرأة بحاجة لترتيب شعرها بين الحين والآخر ، وكذلك صبغه وبعضهن يفضلن الهاي لايت والخصل وأغلب الزبونات هن ربات بيوت ومدرسات وموظفات وزيارتهن تقتصر على زيارة كل شهر أو شهرين ، فرغم خروج المرأة للعمل فإن ذلك لم يجعلها تبالغ في ارتياد الصالونات ، هذا إن لم تصبغ شعرها في البيت ، حتى توفر على نفسها المال وكذلك الحال بالنسبة لتسريح شعرها ، ويقتصر الأمر على المناسبات الاجتماعية .
وقد ساعد المرأة على الاعتماد على نفسها ، أنها أصبحت مثقفة بهذا الخصوص ، كما توفرت لها الكثير من المعدات الحديثة من مجفف ومملس ومموج للشعر ، وتكون النتيجة مقاربة لما سيحققه لها الكوافير أحياناً ،وكذلك البرامج التلفزيونية والمجلات التي تشرح لها طريقة ترتيب شعرها ، وتقدم لها آخر خطوط الموضة ، وهذا برأيي قد ساهم في تراجع الاقبال على الصالونات عما كان عليه فيما مضى
النظافة شرط أساسي
وعن النظافة وكيفية التقيد بها ، يقول أديب : في مهنتنا النظافة ضرورية جداً وشرط أساسي ، فالزبونة لا تدخل صالوناً غير نظيف ومرتب لأنها تقضي وقتاً طويلاً فيه ، وكذلك الأمر بالنسبة للمقصات والفراشي والمناشف ، فهي بحاجة للتعقيم الدوري ، وحرصاً على الزبونات يجب الحرص على انتقائهن ، فمثلاًعندما تدخل زبونة غير مريحة أو غير نظيفة حسب المنظر العام ، فينبغي الاعتذار منها ، لأن ذلك يسيءللصالون ، وينفر باقي الزبونات في وقت الناس شديدو الحرص على النظافة خوفاً من الأمراض التي تنتقل بالعدوى وقد تساهم زيارة الحلاق في انتشارها .
ممارسات خاطئة
وعن الممارسات الخاطئة التي قد يقع بها الحلاقون ، تقول فاتن - صاحبة صالون في منطقة ركن الدين ، ولديها من الخبرة 35 عاماً : تلعب الخبرة دوراً هاماً في عملنا ، فالصبغة مثلاً تتطلب ممارسة ومعرفة بالألوان وطريقة خلطها ، وكذلك الهاي لا يت والبيرم والتسبيل ، فأحياناً قد يتأذى الشعر وعوضاً عن تجميله قد يساهم الحلاق بحرقه واتلافه .
وكذلك الأمر بالنسبة للقص ، فلكل نوع شعر قصات تناسبه فمثلاً التشفير لا يناسب الشعر الخفيف ، وأحياناً تأتي زبونة شعرها طويل وكثيف وتريد قص أطرافه قليلاً فيبالغ الحلاق في قصه وهذا يحدث مشاكلات مع الزبونة ويسيء لسمعة المحل .
صاحب ضمير .. كاتم للأسرار
وترى فاتن أن هناك صفات معينة ينبغي أن يتحلى بها الكوافير إضافة للخبرة ، وهي أن يكون صاحب ضمير فيما يستخدمه من مواد ومستحضرات وأدوات بحيث تكون من النوع الجيد حتى لا يؤذي الشعر ، وهناك أمر قد يغفل عنه البعض ، وهو أنه على الكوافير أن يكون حافظاً للأسرار ، فغالباً ما تنشأ صداقة بين الزبونة وصاحب الصالون ، وهذا ما يجعل البعض منهن يمارسن نوعاً من الفضفضة والبوح بالأسرار والخصوصيات ، كما تدور أحاديث بين الزبونات تتناول كل ما يخطر على بالك ، وهنا يظلم الحلاق بأنه هو الذي يحب الثرثرة ، ولكن الحقيقة بأن المرأة ما إن تجلس على كرسي الحلاق وتجد أن أصابع تداعب خصلات شعرها ، حتى تشعر بشيء من الراحة النفسية والاسترخاء ، وبذلك تسترسل بالبوح بمكنوناتها الداخلية ، لذلك على الحلاق أن يكون كاتماً للأسرار ، حتى لا يثير المشكلات وهذا بالنهاية باب للرزق وليس للقيل والقال .
كي لا تكون حقل تجارب
ولكي لا يصبح شعر المرأة حقل تجارب ، ترى عايدة - صاحبة صالون في منطقة الزاهرة - أن مهنة الحلاقة النسائية بحاجة إلى اعداد اكاديمي ، تقول: أنا مهندسة مدنية ولكني تعلمت ودرست مهنة الحلاقة في اكاديمية متخصصة في بيروت ، حيث يتم التدريب نظرياً وعملياً ، وهذا أفضل من التعلم عند حلاق ، فهو غالباً لا يعطي أسرار المهنة للعاملين لديه ، فخلط الألوان وتطبيق القصات القصيرة أو الطويلة تطبق على شعر اصطناعي ، وهذا يحمي شعر الزبونة من أخطاء قد يقع فيها الحلاق في بداية تعلمه.
وبرأي عايدة فإن مهنة الحلاق والتزيين تطورت حالياً ، وهذا كان لمصلحة المرأة وجمالها ، فكل المستحضرات الحديثة تحمي شعرها وأصبحت طبيعية من الأعشاب بينما كانت فيما مضى كيماوية تحرق الشعر وتضر به ، وبذلك كانت المرأة تدفع ضريبة سعيها نحو الجمال ،، ولكن ذلك مكلف للمرأة ويتطلب ميزانية خاصة.
وعموماً ، فالمرأة اليوم تسعى للسرعة بكل شيء ، فهي تطلب القصات التي لاتتطلب وقتاً ومجهوداً ، وكذلك التسريحات السريعة والتي تميل للعفوية وعدم التكلف.
وأخيراً يمكن القول: إن الاهتمام بالشكل ليس رفاهية ،،بل مطلب أساسي وجواز عبور نحو المجتمع،سواء للمرأة العاملة أم ربة المنزل ، ولكن ألا يتجاوز المعقول ويتعداه الى المبالغة والهوس ، واستنزاف الوقت وهدرالمال...