تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تحولات نوعية في الوضع الدولي...العالم يعيش مرحلة مخاض تحمل تغييرات هيكلية على طبيعة نظامه الراهن

دراسات
الخميس 29/12/2005م
حصلت تحولات متسارعة على الصعيد الدولي,والإقليمي والمحلي, وفي دائرة الصراع العربي الصهيوني,

وفي اخفاقات وعجز المشروع الأميركي الفرنسي في الشرق العربي, ذات تأثيرات استراتيجية من جهة انعكاساتها على الوضع العام والخيارات الوطنية والقومية.‏

فالعالم وتوازناته في مرحلة انتقالية تجري فيها تغييرات هيكلية على طبيعة النظام العالمي ومستقبل سيادة النظام الأمريكي والثنائي القطبية بعد التوافقات الأميركية الأوروبية.الإخفاق الاميركي في تمرير منطقة التجارة الحرة بين الاميركيتين والتحركات الشعبية التي رافقت زيارة بوش إلى أميركا اللاتينية ورفضها, وانتصار اليسار البوليفي المعادي لأميركا ونموذجها وقيمها, أكدت فقدان الامبراطورية الأميركية لنفوذها في المنطقة التي كانت تشكل قاعدة خلفية لتطور الامبراطورية الأميركية وآليات نهيها للعالم واختبار سياسات الاستعمار والتدخل السافر في شؤون الأمم والدول, كما تتأكد هذه السمة بتطور أداء الدول والقوى التحررية في تلك القادة التي تسعى لإقامة سوقها ونظامها الإقليمي بقيادة ثلاثي كاسترو شافيز لولا ورابعهم في بوليفيا بمساعدة حركة التحرر والقوى السياسية والاجتماعية الرافضة للتبعية الأميركية ونموذجها الاجتماعي الاقتصادي الليبرالي, وعزم القادة وأممها لإقامة علاقات حميمة مع العرب والمسلمين وجنوب شرق آسيا بديلاً من علاقات التبعية لأميركاو أوروبا..‏

في آسيا شهدت الأشهر القليلة الماضية تطورات نوعية أشارت بدورها إلى نهوض تلك القارة ودولها الصاعدة وسعيها لتوحيد جهودها ومصالحها الاقتصادية والأمنية في وجه محاولات الهيمنة الأميركية الاوروبية عبر نشر القواعد العسكرية وإخضاع النظم عبر تغييرات سياسية وهيكلية في الاقتصاد والمجتمع, ومثلت عملية توسيع منظمة شنغهاي وما صدر عنها من قرارات والمناورات المشتركة الروسية الصينية والصينية الهندية, وتوسيع قاعدة التبادل والتكامل الاقتصادي بين دول القارة خطوة نوعية كبيرة تشير إلى سمات عصرية تتأسس من جهة قيام تكتلات اقتصادية وسياسية ما فوق قومية وقارية, وتصاعد التعارضات بين الشمال والجنوب وتقدم آسيا للعب دور في الإدارة الدولية وتوازناتها.‏

إلى ذلك مثلت التطورات التي شهدتها الدول الآسيوية السوفيتيةالسابقة من جهة فشل الثورات الملونة, وانكشاف الأهداف الأميركية الاوروبية ومحاولات اختراق المجتمعات وبناء نخب موالية للغرب, وإقامة القواعد العسكرية والأمنية لتطويق روسيا وتقنيتها وخروج روسيا عن صمتها وحيادها وسعيها للعودة لاعباً آسيوياً أساسيا, ومحاولاتها استعادة نفوذها في تلك المناطق الحساسة بالنسبة لأمنها واقتصادها, وتطور مواقف بعض الإدارات وطلبها المباشر بإنهاء القواعد الأميركية, كل هذا مؤشرات هامة من جهة التأكيد على مسار الانحسار الذي تعانيه الامبراطورية الأميركية ومشروعها.‏

وفي الولايات المتحدة الأميركية, والدول الاوروبية تشهد مرحلة نهوض متصاعدة للإدارة الشعبية الاجتماعية الرافضة للعدوانية الأميركية وللتوافقات الأوروبية الاميركية على تقاسم النفوذ في العالم وإصلاح نظام الهيمنة الأحادية لصالح هيمنة ثنائية (شراكة بين أوروبا وأميركا), بحيث بدأت نتائج هذا النهوض تؤثر في قدرة الإدارات والنخب المالكة والحاكمة على إنفاذ مشاريعها للبرلة الاقتصاد الاوروبي ولبرلة الاقتصاد العالمي وجاءت استطلاعات الرأي الاميركية, والفضائح التي تطاول الإدارة بعناصرها الأساسية, وانهيار شعبية الحرب على العراق, كما في انهيار شعبية شيراك والأزمة المفتوحة في فرنسا على انكشاف نظام التمييز العنصري والطبقي بحق المسلمين والمهاجرين, ودخول ألمانيا مرحلة الأزمة السياسية الداخلية بنتائج الانتخابات الأخيرة, إضافة إلى قرار الشعب الفرنسي والبلجيكي إسقاط الدستور الاوروبي بسبب طبيعته الليبرالية, وانهيار شعبية بلير وحكومته, ناهيك عن افتضاح الممارسات والأساليب القمعية التي تمارسها الإدارة الأميركية وسجونها الطائرة والسرية في بلدان العالم وفي أوروبا, ورزمة القوانين التي أطلقتها الإدارات الأوروبية للتقييد على الحريات والتضييق على الحراك السياسي والحقوق الاجتماعية والشخصية لعموم الشعوب الأوروبية ولاسيما اللاجئين والمهاجرين العرب والأفارقة لتشير بدورها إلى دخول الإدارات الإمبراطورية وذات التطلع الاستعماري مرحلة الأزمة البنيوية ما يكشف عن قانون تاريخي جديد بأن عصر الأمم الأمبراطورية الاستعمارية قد ولى ولا تستطيع النخب الحاكمة والمالكة العودة إليه عنوة عن إرادة أممها.‏

في سياق آخر تجلى صعود الدور الروسي في ملفات إقليمية ودولية متفجرة كدليل على تبدلات في طريقها للتعبير عن نفسها على مستوى التوازنات الدولية, ومستقبل النظام الدولي, فروسيا التي خرجت من مرحلتها الانهيارية, ومرحلتها الانتقالية تعود لاعباً مؤثراً في آسيا, وفي منظمة شنغهاي, ومنظمة الدول السوفييتية السابقة, وفي الملف النووي الإيراني حيث كانت تتفرد أوروبا وأمريكا, وفي ملف التحقيق باغتيال الحريري وآليات تنفيذ القرار1636 وتطور العلاقات السورية الأميركية الاوروبية, وصياغة القرار 1644 ما يطرح تساؤلات عن مغزى ودوافع وأسباب عودة روسيا كلاعب مرموق في ملفات نوعية وخطيرة من شأن الآليات التي تسير فيها أن تحدد مستقبل العلاقات الدولية, ومستقبل الإقليم.‏

في الدائرة الإقليمية العربية والاسلامية, جرت أيضاً أحداث كثيرة ذات دلالات وآثار هامة في تقرير اتجاهات التطورات السياسية المستقبلية وتوازناتها وعناصر حراكها, منها: في لبنان:‏

- اضطرار ميليس لتقديم استقالته بعد كشف فضائح الشهود وآليات تلقينهم وفبركتهم, والتوازنات المحلية التي حالت دون فرض أجندة الأكثرية النيابية الساعية إلى تعليق لبنان على حبل مشنقة التدويل وتحويله إلى محمية كمقدمة لمحمية اسرائيلية.‏

- انكشاف طبيعة وخطط وسياسات الأكثرية النيابية اللبنانية التي جاءت على أجنحة التدخلات الخارجية السافرة ورعاية السفراء والرؤساء والتدخلات الدولية, واستصدار القرارات الدولية وتقارير مبعوثي مجلس الأمن التي جاءت جميعها لتخديم وظائف في صالح المشروع الأميركي الفرنسي الاسرائيلي على حساب لبنان وقيم شعبه ومصالحه وعلاقاته العربية والأخوية مع سورية, وتباعا تنهار شعبية الأكثرية النيابية وشرعيتها الشعبية مع انكشاف سياساتها على مزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتعليق الحلول والتطورات على قرارات مجلس الأمن وتقارير اللجان الدولية, كما في اهتزاز التحالف الرباعي وعجز فريق 14آذار عن التوحد برغم ما يبذله السفراء ورؤساء فرنسا وأميركا والأمم المتحدة وبعض الحكومات العربية..‏

- تعثرت محاولات استدراج لبنان إلى أزمة بما يخص سلاح المقاومة اللبنانية, وتعثرت المحاولات في استهداف السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات, كما تعثرت المحاولات للاستيلاء على الدولة وأجهزتها والسيطرة على الرئاسات والمؤسسات الدستورية وانكشفت الممارسات القمعية والإرهابية التي تمارسها أجهزة وزارة الداخلية وتوابعها والتلاعب باليات التحقيق الدولي واستهداف الرموز والعائلات والقوى الوطنية للتشهير بها واسكاتها والنيل من سمعتها وتعطيلها عن الحركة, ما أثار موجة اعتراضات سياسية بدأت تأخذ أشكالاً شعبية كما جرى في صيدا مع آل البزري, وطرابلس مع الارناؤوط.‏

سورية ولبنان:‏

- الخطاب النوعي الذي قدمه الرئىس بشار الأسد وأعلن فيه اعتماد سورية استراتيجية المقاومة ورفض الاملاءات ورفض قرارات مجلس الأمن التي تمس بالأمن الوطني والقومي شكل محطة فاصلة غيرت ما قبلها..‏

- مازالت تسيطر على قوى الأكثرية وتحالفاتها فكرة استهداف العلاقات السورية اللبنانية والسعي لتحويلها إلى علاقات عدائية لتسهيل التصالح مع الكيان الصهيوني وزيادة عناصر الربط بالمشروع الأميركي الفرنسي الذي يستهدف تحويل لبنان محمية دولية صهيونية.‏

- أعادت سورية تنظيم علاقاتها مع بيئتها العربية والإقليمية والاسلامية بعد خطاب السيد الرئىس على نحو أدركت فيه الأطراف جميعاً بأن سورية تعتمد خيار الصمود والمقاومة قادرة على لجم التدخلات والاملاءات وأخذ المنطقة إلى غير ما ترغبه المشروعات الامبريالية.‏

- تعززت العلاقات السورية الايرانية على نحو جدد التحالف الاستراتيجي وتحالفهما مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية.‏

- استمرت العلاقات السورية التركية على تحسنها وشهدت المزيد من الانفراجات ما أسهم في تعطيل ما أرادته أميركيا واوروبا واسرائيل من محاولة لتعكير العلاقات.‏

- دخلت مصر مرحلة الاضطراب السياسي والتوازن القلق بعد نتائج الانتخابات النيابية التي جاءت بكتلة كبيرة للإخوان المسلمين ما يوجد حالة توتر دائمة ويدفع بمصر إلى مرحلة انتقالية ضبابية.‏

في فلسطين تطورات مهمة:‏

- انتظر المراقبون بعد الانسحاب من غزة انتفاضة ثالثة تعيد هيكلة الصراع العربي الصهيوني فجاء التغير في قلب الكيان الصهيوني حيث الانقلابات السياسية والتذرر بعد انسحاب شارون من الليكود وصعود بيرتس في حزب العمل وتبلور التكتلات الأساسية يسار يمين وسط وتحرك الكتلة الأساسية في الكيان على أساس استراتيجية الانكفاء خلف الجدار أو تسوية تلامس حدود 4 حزيران ,76 كما تجسدت نتائج الانتفاضة في الساحة الفلسطينية ذاتها حيث رفض الفلسطينيون تلبية الشروط والاملاءات الاسرائيلية الأميركية الاوروبية, وجاءت انتخابات فتح الداخلية لصالح الشباب الفتحاوي من قادة الانتفاضتين الفلسطينيتين, كما أن تنائج انتخابات البلدية في الضفة, ما يؤشر إلى تحولات نوعية في الحركة السياسية الفلسطينية ومستقبل الصراع العربي الصهيوني مع تراجع القدرات الصهيونية وانكفاء الامبراطورية الأميركية.‏

في العراق:‏

تشير التطورات والأنباء, والتقارير إلى بلوغ الأزمة في العراق مرحلة متقدمة:‏

- انعقاد مؤتمر الوفاق في القاهرة وطلب من الادارة الأميركية إيجاد آلية انسحاب تحفظ ماء الوجه بمثابة مؤشر قوي على حجم المأزق الأميركي ودليل على أن الإدارة اتخذت قرارها بالفرار من العراق وتكليف العرب والبيئة الإقليمية بإدارة الملف المتفجر.‏

- جاء إعلان بوش وخطابه عن استراتيجية النصر بمثابة تأكيد على وجود قرار أميركي بتنظيم الانسحاب من القراق خلال فترة زمنية قصيرة تبدأ مع بداية عام 2006 أو كما تقول الدعاية الأميركية بعد انجاز الانتخابات وقيام حكومة..‏

تصاعدت أعمال المقاومة على نحو نوعي مترافق مع تصاعد الضغوط السياسية والشعبية, كما تصاعدت أزمة فريق الحكم الموالي للأميركيين على عتبة قرار الانسحاب ما يؤشر إلى بلوغ أزمة الاحتلال مرحلة درامية, تسمح بالقول إن الهزيمة الأميركية قد بدأت فعلاً وما يجري في العملية السياسية إنما هي محاولات أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..‏

- أدت التطورات الأخيرة من جهة تكليف الادارة الأميركية دولاً عربية واسلامية البحث عن مخرج من الأزمة باقل الخسائر, ما يفتح مجالا للقول إن آفاق إيجاد صيغة وطنية عراقية جامعة برعاية اقليمية تلعب فيها سورية وايران وتركيا دوراً أساسياً ممكنة جداً ومتوفرة عناصرها الذاتية والموضوعية وبيئتها الحاضنة لتبدو التطورات المستقبلية محكومة بتحولات نوعية في غير صالح المشروع الأميركي.‏

- تبدو علامات الهزيمة الأميركية في العراق, مؤشراً ودافعاً لتطورات نوعية في طريقها للتشكل تعبر عن نفسها في الكثير من الارهاصات والتحولات, في أولها ما باتت تعيشه اسرائيل من مأزق ورهاب من نتائج انهيار السيطرة الأميركية على العراق, وما تشهده بعض البلدان العربية التي ناصرت الغزو, عليه تبدو التبدلات والتطورات الجارية منها ذات السمات الاستراتيجية أو الانتقالية, بمثابة ارهاصات وتحولات كمية تؤسس لنقلة نوعية تحدد اتجاهات التطور المستقبلية في المنطقة وعلى مستويات التوازنات الإقليمية والدولية, تبدو معها الادارة الأميركية والتوافقات الاميركية الاوروبية هي الخاسر الأساس, حيث تنبثق من الواقع وحاجات حركة التاريخ حاجات وضرورات أن تتبلور قوى محلية وإقليمية لقيادة المرحلة القادمة والنهوض بأعباء المهام التاريخية الجسام الملقاة على عاتق هذه الأمم.‏

كما تفسر هذه المتغيرات المتسارعة الكثير من الجاري في الحالة السياسية من جهة تأزم فريق العدوان ضد سورية قرار 1644 وتركيز الجهد الاعلامي الصهيوني الاوروبي باتجاه ايران والانتخابات الفلسطينية, واشترطات الاوروبيين غير المنطقية منع حماس من المشاركة والتي تكشف زيف الدعوات للإصلاح والديمقراطية.‏

سورية والعرب المقاومون يتحصنون ويزيدون رصيدهم, وفي طريقهم لتحقيق انتصارات متتالية فلاخوف ولا رهاب ولا من يحزنون.‏

أما اللاهثون خلف سراب التدخلات الخارجية والضغوطات, والمستعجلون تغييرات في صالح المشروع الإمبراطوري الأميركي الاوروبي ليلتحقوا بذيله فليس لهم سوى الخيبة والانكسار.‏

* كاتب لبناني‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية