تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لزومية إنقاذ العلاقات السورية - اللبنانية

قضايا وآراء
الخميس 28/12/2005م
نزار سلوم

يبدو من المناسب في عملية ( معاينة ) العلاقة السورية -اللبنانية وما آلت اليه راهناً , وما يتوقع ان تؤول إليه مستقبلاً ,

استعارة مصطلح ( الانشقاق ) بمختلف الادوات المنهجية المرافقة له , فضلاً عن ( الادبيات )الخاصة به , وهو مصطلح مدرج في القاموس الخاص بالاحزاب ويكاد يكون استخدامه ( حصرياً ) في سياق التعبير عن ( تطورات ما ) يشهدها ( الحزب السياسي ) تصل به الى حالة ( الانشقاق ) . على ان هذا ( المصطلح ) يمكن ان يأتي استخدامه في غير ( محله ) إذا ما تم إغفال الانتباه الى التقاطعات المشتركة التي تبرر هذا الاستخدام , وتبرر بالتالي استعارته ونقله من حقل (علم الاحزاب ) الى حقل العلاقة بين ( دولتين ) . ذلك لان ملاحظة البديهية التي أنتجته ومتوفرة في ( الحزب ) قد لاتكون ( متوفرة ) بالدرجة نفسها من ( الحضور ) الذي يبرر استخدامه في الحقل المنقول إليه .‏

ف ( الانشقاق ) هو حالة ( الواحد ) المقسم أو المقسوم الى ( اثنين ) على نحو أكيد وعندما تتعدى القسمة هذا العدد , يصبح ( الانشقاق ) ( ممزقاً ) أو ( تبعثراً ) وهي حالة تصيب (الحزب ) ولكنها لاتقع بين ( دولتين ) محددتين حتماً بالعدد ( اثنين ) . وفيما يشير ( الانشقاق ) الى ماضٍ ( واحد ) على نحو مطلق , فإنه يشير أيضاً الى ( مستقبلين ) يخص كل واحد منهما ( طرفاً منشقاً ) .‏

واذ يفترض ( المستقبل ) مسيرة ما قدتتضارب مع المسيرة الأخرى ل ( المستقبل ) الآخر , فإن عملية إنتاج ( الماضي الواحد ) على هيئة ( ماضيين اثنين ) تبدو مسألة لزومية لاكتمال ( الانشقاق ) في فصوله العملية وفي إسناداته الفكرية والتاريخية .‏

وما لاشك فيه , إطلاقاً , ان لزومية إعادة إنتاج الماضي , يفرضهاتخيلنا الحركي ل ( رجال الانشقاق ) , من منظار السؤال : أين كانوا ومع من وقرب من ? وأين أصبحوا الآن ومع من وقرب من ? ان الملاحظة هذه ( الخارطة ) المنزاحة عن نفسها تفضي الى رؤية ( الرجال الموحدين ) في بوتقة واحدة وقد انقسموا أو ( انشقوا ) أو ( توزعوا ) على ( بوتقتين ) ولكنهم يظلون ( هم أنفسهم ) فالذي تغير أولاً هو ( المكان ) ومن ثم( عديد الرجال ) ولاحقاً ( عدتهم :السياسية والثقافية ) بينما هم لم يغادروا ( أنفسهم ) وكل ما يفعلونه الان إعادة تظهير( موقعهم ) على نحو يبرر انتقالهم إليه !‏

من هنا يتجه ( الرجال ) المقسمين الى اعتماد ( خطاب إطلاقي ) في بداية عملية ( الانشقاق ) يؤدي بهم لاحقاً الى الاتجاه لإعادة إنتاج ( الماضي الواحد ) على هيئة ( ماضيين اثنين ) كانا ملزمين ب ( وحدة زائفة ) أو إجبارية!?‏

الآن : كيف تبدو هذه ( الاستعارة ) لمصطلح ( الانشقاق ) ومنهجيته , في( معاينة )العلاقة السورية - اللبنانية ?!‏

يشير الوصف ( الإداري - اللبناني ) العائد في مرجعيته إلى رموز ( 14 آذار ) للعلاقة السورية - اللبنانية المنقضية : بكونها ( نظام أمني لبناني - سوري) إلى ( وحدة ما) كانت موجودة ومدلول عليها بين الدولتين .‏

حتى وإن جرت محاولة اختزال هذه الوحدة في حقل ( الأمن ) غير أن ما هو واضح في تلك الوحدة أنها كانت تتجاوز في معانيها هذه الحقل ( المحدود ) لتقارب معنى ( الوحدة الاستراتيجية ) التي حافظت على ملامح وخطوط كبرى أساسية يتصل أغلبها بالصراع مع (إسرائيل) حيث ميزت العلاقة بين الدولتين في السنوات الخمس عشرة والأخيرة وكانت هي مع ( إسرائيل) حيث ميزت العلاقة بين الدولتين في السنوات الخمس عشرة الأخيرة وكانت هي السبب الرئيس في اعتماد مصطلح ( العلاقة المميزة ) بين سورية ولبنان , بينما لم ترتق العلاقة نفسها في حقول الاقتصاد والاجتماع الثقافة .. إلى مرتبة أو درجة أية علاقة بين أمتين أوروبيتين سفكتا من دماء أبنائهما في صراعات تاريخية مايفترض وجود حاجز دموي أسطوري يمنع أي لقاء بينهما !?‏

هذه ( الوحدة الإستراتيجية ) المعبر عنها ( آذارياً ) ب النظام الأمني اللبناني - السوري ) تؤسس علي نحو موثوق وآمن منهجياً لاستعارة مصطلح ( الانشقاق ) وآلياته ولغته وفلسفته واستجلابه من قاموس ( الأحزاب ) إلى قاموس ( العلاقة السورية - اللبنانية ) التي شكلت قاموساً خاصاً بها في كل حال.‏

ودون تكرار الحديث عن ( عوامل ) متعددة كانت تنمو في أساس هذه ( الوحدة ) عاملة على تصدعها بدأ ( حادث 14 شباط 2005م ) ( الرحم الدموي ) المعد والمدروس لاستيلاء ( اثنين ) من ( واحد ) أي لإعلان ( الانشقاق ) ومن ثم العمل على حمايته : سياسياً وثقافياً.‏

وفي الوقت الذي أثر ( الطرف السوري) الصمت حرصاً على استمرارها وتطويرها بدا ( الطرف اللبناني - الآذاري ) مصاباً بحالة من من ( الثرثرة ) معتمداً خطاباً إطلاقياً (لاسياسيا) بمعنى ما , يؤسس جاهزة ( يمكن أن نشير هنا , إلى تلك المفارقة المتمثلة بأن العودة الأولى الواضحة إلى مناخ السياسة وقاموسها و تمثلت في خطاب النائب بهية الحريري في 14 آذار نفسه فيما حافظ الأطراف ا لآخرون على إطلاقية (إيديولوجية ) في خطاباتهم , وهي مفارقة لها دلالات في غاية من الأهمية في قراءة أهداف وغايات هذه الأطراف , ومدى اقترابها من بعضها وعلاقتها كلها بالرحم ا لدموي الذي هو استشهاد الرئيس رفيق الحريري ) .‏

كان ( العد الزمني ) ابتداء من 14 شباط , يراكم العوامل بعضها فوق بعضها الآخر التي تكمل المعنى النهائي لل (انشقاق ) فالرجال ( الزعامات- القادة ) - ما عدا قسم منهم - كانوا في بوتقة ( الوحدة الستراتيجية ) وعليهم الآن الانطلاق في مسيرة مختلفة ,لأن العودة إلى نوع من هذه ( الوحدة ) بشروط مستحدثة غير مقبول ( سورياً ) فإن إعادة إنتاج الماضي مع هذا الطرف أصبح ضرورة ( إيديولوجية ) لازمة لتأمين توازٍ أو توازن مع أقرانهم ممن كانوا خارج هذه ( الوحدة )‏

وينتج ( الانشقاق ) الحزبي حالة تضليلية تمكن ( المنشقين ) من استكمال ( الاستفراد ) و تبريره حتى النهاية . ورغم ذلك يظل وارداً الانكفاء مرة جديدة نحو ( الوحدة ) و التكفير عن ذنوب ( الانشقاق) و ( ثرثراته ) ومن الأرجح أن ( الموحدين ) سيحملون ( طرفاً ثالثاً ) مسؤولية ما جرى لهم . ولكن هل ( الانشقاق السوري - اللبناني ) الراهن قابل للانكفاء نحو ( الوحدة ) ?!‏

يشكل هذا التساؤل فضاء ( الإشكال الرئيسة ) للعلاقة بين الدولتين و لكم من المؤكد أن حدود استعارة مصطلح ( الانشقاق ) تقف قبل هذه الحد , فلابد من أدوات أخرى لمعالجة هذه الإشكالية ذلك أن ما آلت العلاقة راهناً بين الدولتين تجاوز معنى الانشقاق بدرحات تنذر بأخطار إضافية و إشكاليات أخرى ? إلا إذا توقف( الانقلاب الدولي ) لأسباب ما عند الأهداف التي حققها إلى الآن في ( لبنان ) و ترك ( الرجال المحليين) يبحثون عن اصطفافات سياسية أخرى بغفلة من الدو ل الكبرى ? ( فصل الانشقاق) رحلته المعكوسة ? و فيما عدا ذلك من المؤكد أن الانشقاق سيتعدى نفسه تحو ( التمزق ) و ( التبعثر ) و ( التشظي ) .‏

* كاتب وصحفي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية