تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تكريم فاتح المدرس ونذير نبعة..واقعية الرموز في استلهام مشروع الإبداع

ثقافة
الخميس 29/12/2005م
أديب مخزوم

في سياق التكريم الرسمي لبعض كبار رموزنا الفنية والثقافية يقام اليوم حفل تكريم الفنانين التشكيليين الكبيرين فاتح المدرس ونذير نبعة,

وذلك في قاعة المحاضرات في مكتبة الأسد الساعة الحادية عشرة, حيث يتم منحهما وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.‏

وهذا التكريم يهدف الى ابراز مدى فاعلية نتاج المكرمين في المسار التشكيلي السوري, وهو قبل كل شيء يساهم في الحفاظ على تراثنا التشكيلي المهدد بالضياع والتزوير والتشويه. في محاولة للاقتراب من اجواء لوحات الفنانين المكرمين والتوقف عند المسائل التشكيلية الجوهرية, نجد أن لوحات نبعة التي اعتمد فيها ادق درجات الدقة والنمنمة التفصيلية الواقعية تتعارض الى حد التناقض مع لوحات المدرس المستمدة من تداعيات الذاكرة الطفولية واللونية الا أننا نجد في كلتا التجربتين هواجس التواصل مع العناصر التراثية المستمدة من الذاكرة الثقافية المحلية.فاتح المدرس‏

فاتح المدرس (1922-1999) معلم وفنان تشكيلي لامع, استطاع أن يحقق شهرة واسعة قلما وصل إليها فنان تشكيلي سوري من قبله, وهذه الشهرة لاترجع لطالع أو حظ ابتسم له, وإنما ترجع لثقافة بصرية وفلسفية غذت حساسيته الروحية والجمالية وبلورت اتجاهات تعبيرية حديثة في التشكيل العربي المعاصر.‏

وهو كمجمل الفنانين الكبار آثر الوحدة والحرية والتميز والبحث عن اسلوب خاص هو عبارة عن نسيج ذاتي مختصر من الاشارات التاريخية المتداخلة مع عناصر الريف السوري واللون البيئوي المحلي.‏

ولقد عاش فصول التحولات الفنية الكبرى منذ المرحلة الممهدة للاستقلال ويمكن اعتباره أكثر فناني مطلع الستينات جرأة ومغامرة, حيث كان سباقاً في اعتماد اللمسات اللونية الأكثر عفوية في تلك المرحلة, ولهذا شكلت لوحاته ثورة حقيقية على المفاهيم التشكيلية التي كانت سائدة عندنا في تجارب رفاقه الفنانين.‏

ولقد ارتبطت تجربة المدرس منذ بداياتها بهاجس محلي وتطلع حيوي نحو اشعاعات اللون المحلي المنتمي لبريق الأرض عبر التوغل في كشف المنظور الأفقي الذي ساد الفنون السورية القديمة.‏

كأن دخول المدرس الي عالم الشرق حلم وفورة رغبة في تفسير الوهج المتوازن مع الأشكال الإنسانية والطبيعية, حين كان يضيع ببصره في المدى والأفق والسهول الفسيحة.‏

في أعماله تتحول الوجوه والأشكال الإنسانية والطبيعية والرموز التاريخية إلى تآليف لونية وشكلية تلامس في تشكيلها العفوية التي تتميز بها الرسوم الطفولية والبدائية , وهي تفسر في النهاية خطه التشكيلي في إيجاد علاقة جمالية وتعبيرية وبيئية لعلاقة الماضي بالحاضر وبالحداثة المتداولة في أكثر من عاصمة فنية .‏

وهو في هذا الصدد وعبر حوار مطول أجريته معه في مطلع التسعينات قال ( إنه لايزال طفلاً صغيراًَ يدرس بحزن جمال أرضه وإنسانها ) فهو لايجد في الرموز والأشياء والذكريات غير أشكال شبه هندسية, تدل على عفوية مطلقة في تشكيل الوجوه والإشارات والرموز , لأنه لم يكن يجسد الدلالات المحلية المستعادة إلا من خلال عواطفه وانفعالاته وأحاسيسه العميقة المستقاة من الداخل.‏

نذير نبعة‏

نذير نبعة من مواليد دمشق 1938 ومن المحافظين القلائل على أصالة التراث العربي والباحثين عن يقظة شرقية تستعيد تفاصيل أزياء وجواهر وزخارف ومظاهر ناس قديم الزمان,حيث اكتشف عن طريق بعض النماذج التراثية المحلية أن اللوحة هي فسحة يمكن من خلالها إعادة الاعتبار إلى معطيات التراث الفلكلوري والشعبي الذي يتعرض للزوال .‏

ومن خلال هذه الأشكال التراثية يركز لإظهار الأجواء الرمزية والأسطورية , وتغييب هذه الأجواء في بعض الأحيان على حساب بلورة أو إظهار الإحساس بالمنظور الواقعي على الأقل في مجال التأكيد على صياغة اللمسة اللونية الهادئة التي كانت تعطي الأهمية الأولى لتدرجات اللون والعناية بالتفاصيل الصغيرة أو المبالغة في النمنمة التفصيلية .‏

هكذا عمل على إيقاظ الروح الحضارية من سباتها العميق بالمزيد من التفاني والدقة والصبر الطويل للوصول إلى اللوحة التي تقتنص ملامح خاطفة من ليالي شهرزاد , تلهي العين وتثير الحنين والإعجاب وتعبر عن الهواجس الشرقية عبر تداعيات رموز المرأة والحنين الشاعري نحو أجواء لقطات جلسات حب رومانسي وطرب وسهر مستشفه من مسرح أحلام ألف ليلة وليلة .‏

وهو في الغالب كان يقيم علاقة مزدوجة بين صورة المرأة بنظراتها الثاقبة و الخلفية التي يزخرفها و يكثف فيها الاشكال الصغيرة و الدقيقة وبمزيد من العناية و الجلد و الصبر الطويل.‏

الا أن هذا الشعور بقدرته على تجسيد الشكل و الحركة و التفاصيل الدقيقة سرعان ما تغير و انقلب رأساً على عقب , حين اكتشفنا في لوحات معرضه الاخير في صالة اتاسي . جرأة مدهشة قطفت حرارة اليد وعصب القلب , واكدت شاعرية تواصله مع نبض الحياة و نبض التجارب و نبض العصر .‏

وهذا يعني ان الرسم عند نذير نبعة قد جمع ما بين اتجاهين , واقعي و تجريدي ( رغم انه لا يعترف بهذا التجريد ) تجسيدي وتلويني . فهو معلم في صياغة تفاصيل من تركيبات الاشكال القديمة ومغامر في الانفلات نحو اللانهائية و اللامحدودية اي نحو اللون الذي زاوج في معرضه الاخير بين الحركة اللونية كإيقاع انفعالي و تعبير داخلي و بين التوازن الكتلوي , الآتي عبر اختصار الشكل الواقعي و تجريده و تجسيده كلون مستمد من مؤثرات الواقع و العصر‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية