المدنيين اليمنيين، وأدت إلى مقتل أكثر من 100000 شخص، وملايين اللاجئين، والأطفال (الذين لا يزالون) يتضورون جوعاً جميعها تثقل الضمير الأمريكي إذا كان لا يزال بإمكان واشنطن الادعاء أن لديها ضمير.
القصة المخفية في اليمن البلد الأفقر في العالم العربي، لها صلة بالموضوع، باختصار، بدأت هذه الكارثة حين اندلعت الاحتجاجات ضد الرئيس المدعوم من الولايات المتحدة خلال ما سمي الربيع العربي في عام 2011، بعد قليل، دعا الرئيس المتردد أوباما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى التنحي، واستولت الحكومة الانتقالية المدعومة من السعودية على الحكم بشكل سيء (فجأة). ومنذ عام 2014 إلى عام 2015 ، انتقلت السيطرة على العاصمة إلى طرف يمني آخر، في تلك المرحلة وبدلاً من التوسط في السلام، تابعت الولايات المتحدة التطورات بهدوء ودعمت عسكرياً حملة إرهابية سعودية وحصار تجويع وغزو مرتزقة تركز بشكل أساسي على المدنيين، الأمر الذي قسم اليمن إلى يمنين.
الآن، ومع تعثر الحملة السعودية بشكل واضح وعلى الرغم من مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتجويع ما لا يقل عن 85000 طفل حتى الموت في البلاد تسود حالة من الجمود، وحتى الأسبوع الماضي أي عندما استولى الانفصاليون الجنوبيون (كان هناك، قبل عام 1990، يمن شمالي وآخر جنوبي) على المدينة الساحلية الرئيسية في اليمن، بدعم من السعوديين والإماراتيين الشركاء في الجريمة، زاد تمزق اليمن أكثر من أي وقت مضى، في الأيام القليلة الماضية، استعادت الحكومة الانتقالية المدعومة من السعودية عدن، لكن الانفصاليين الجنوبيين بدوا أقوى من أي وقت مضى في المنطقة.
من غير الواضح الآن ما إذا كان بالإمكان إعادة توحيد اليمن مرة أخرى، أضف إلى ذلك حقيقة استغلال المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة فوضى الحرب لإقامة بعض مناطق الحكم الذاتي في جنوب شرق البلاد، وقد يجد المرء أن نتائج التدخل السعودي المدعوم من الولايات المتحدة أنتج ما لا يقل عن أربع دول بدل يمنين.
وما يجعل الوضع في جنوب شبه الجزيرة العربية مزعجاً بشكل خاص هو أن (خبراء) السياسة الخارجية المفترضين في واشنطن أكدوا منذ فترة طويلة بشكل هستيري على أن الخطر الأكبر على سلامة أميركا هو (الملاذات الآمنة) التي يحتلها (الإسلاميون) أو المساحات غير الخاضعة للحكم، إنني شخصياً بعيد عن الاقتناع بأن أسطورة الملاذ الآمن تحمل الكثير من المعاني الخفية.
فبعد كل شيء، تم التخطيط لهجمات الحادي عشر من أيلول في ألمانيا والولايات المتحدة كما في كهوف أفغانستان، ومع ذلك، لننظر في القيمة الظاهرية لافتراض خبراء التدخل، في هذه الحالة، أليس من المثير للسخرية أن العمل العسكري الأميركي في اليمن - و (كما سأبين) في حالات لا تعد ولا تحصى- قد مزق مراراً وتكراراً الدول ليخلق مساحات خارج السيطرة الحكومية وهو ما يخشاه صناع السياسة والمثقفين؟
دعونا نأخذ جولة قصيرة للغاية في عقدين من تاريخ واشنطن، حيث تمزيق دول الشرق الأوسط الكبرى وتفتيت المنطقة المتصدعة أصلاً، من الغرب إلى الشرق، في قائمة غير شاملة معترف بها.
أطلقت الغارات الجوية الأميركية وسياسة تغيير النظام في ليبيا حرباً أهلية مستمرة، وقسمت البلاد بين أمراء حرب على الأقل، ومكنت الأسلحة والميليشيات من عبور الحدود الجنوبية ما أدى لزعزعة استقرار غرب إفريقيا، ما يعني أن النيجر وليبيا والكاميرون ومالي وتشاد ونيجيريا قد رأوا أن أراضيهم المشتركة حول بحيرة تشاد أصبحت منطقة متنازع عليها، يتنافس عليها مجموعة من الإسلاميين الذين تم تمكينهم حديثاً، وهذا بالطبع قاد الجيش الأميركي إلى إرسال بضعة آلاف من الجنود إلى هذه البلدان، و من غير المرجح أن ينتهي نشر الجنود هذا على خير.
في الشرق الأوسط أيضاً، عقود من الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل ومضاعفة دونالد ترامب لتلك السياسة - عن طريق نقل السفارة الأميركية إلى القدس وغض الطرف عن الخطط الإسرائيلية لضم جزء كبير من الضفة الغربية - ضمنت هذه المرة وإلى الأبد عدم إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة هناك، ما يعني أن المنطقة مقسمة إلى ثلاثة كيانات غير مترابطة (للفلسطينيين، على الأقل): غزة وإسرائيل والضفة الغربية.
وعلى الحدود مع العراق يقف المعيار الذهبي الذي يأتي بنتائج عكسية تتمثل بالتمزيق الأميركي، هناك ، يبدو أن غزواً أميركياً غير قانوني بدأ في عام 2003 ليقتسم من البلاد النصف الشمالي ويحوله إلى منطقة تتمتع بحكم ذاتي للأكراد، ويقسم الباقي من العراق إلى جزأين، ازدهر في جزء منه ما سمي تنظيم القاعدة في العراق، وتنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تطرفاً والذي أطلق العنان لإراقة الدماء على جانبي الحدود. أخيراً ، في أفغانستان، كفل الغزو والاحتلال الأميركيان - وكذلك أي اتفاق سلام وشيك - تقسيم هذه الدولة من آسيا الوسطى خلال المستقبل المنظور.
النقطة المهمة هي أن الولايات المتحدة مزقت بشكل لا يمكن إصلاحه مساحات شاسعة من الكرة الأرضية من غرب إفريقيا إلى آسيا الوسطى، ويصر النقاد التدخليون في كلا الحزبين والمراكز الفكرية التي لا تعد ولا تحصى على أنه يجب على الجيش الأميركي أن يظل في مكانه في جميع أنحاء المنطقة لمراقبة (الأماكن غير الخاضعة للحكومات) الخطيرة، ومع ذلك فإن التاريخ الحديث يوضح بشكل جلي تدخل واشنطن ووجود قواتها يمزق الدول المستقرة ويمكن الانفصاليين والإسلاميين.
ووفقاً لحساباتي البسيطة، فإن المنطقة من نيجيريا إلى أفغانستان والتي كانت تضم ما يقرب من 22 كياناً حكومياً - منذ بداية (حروب مكافحة الإرهاب) الأميركية - قد انقسمت إلى حوالي 37 منطقة تتمتع بالحكم الذاتي، وأحياناً بالكاد تخضع لحكم. وفقاً لـ (الخبراء)، فهذا يعني كارثة كاملة وزيادة الخطر على الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن السياسة والتدخل العسكريين للولايات المتحدة هما الملام الأكبر بالتسبب في هذا التمزق، والسؤال المطروح هنا: ألم يحن الوقت لوقف المهام القتالية الأميركية؟ والجواب: بالطبع لا.. وفقاً لواضعي السياسات السائدة والنقاد فالحرب بالنسبة لهم يجب أن تستمر (دائماً)..!
صفوني بالجنون، ولكن بعد أن خدمت في حربين عبثيتين ودرست العمل العسكري الأميركي، يبدو أن النتائج العكسية هي جوهر السياسة العسكرية الأميركية في حروب العم سام والتي أصبحت حروباً أبدية بعد 11 أيلول.