أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي بهدف مواجهة المد الشيوعي السوفييتي آنذاك، حتى ظهوره بصورته الجديدة على شكل تنظيمات شديدة التطرف مثل داعش وجبهة النصرة في السنوات الأخيرة، انطلاقاً من العراق، وصولاً إلى سورية وباقي المنطقة، والإنصاف هنا يقتضي القول إن اعتداءات أيلول عام 2001 كانت بمثابة حصاد واشنطن لذلك الزرع الخبيث الذي زرعته يداها، على قاعدة المثل العربي القائل (طبّاخ السم يتذوقه).
في الواقع ليس هناك أكثر من الوقائع والدلائل التي تثبت تورط واشنطن في إنشاء التنظيم الإرهابي المتهم بتنفيذ هجمات 11 أيلول، وإذا تجاوزنا اتهامات الخصوم لواشنطن واكتفينا فقط بالاعترافات والتصريحات والتسريبات الأميركية الخارجة من دهاليز صنع القرار والمطلعة على خفايا السياسة الأميركية المتصلة بهذا الخصوص وعلى قاعدة (من فمك أدينك) سنجد مئات الأدلة والوقائع التي تؤكد هذا الاتهام، وبحسب القاعدة الجنائية المشهورة ــ الاعتراف سيد الأدلة ــ تكون واشنطن قد قدمت الدليل على نفسها، لتؤكد أن كل حروبها المزعومة على الارهاب ما هي إلا محض افتراءات وتضليل بهدف التدخل العسكري في الأماكن التي تروق لها وعلى خلفية ضمان مصالحها وخدمة أطماعها وأجنداتها العدوانية كما جرى في شمال شرق سورية في السنوات الماضية.
ففي كتاب (النوم مع الشيطان) مثلاً لمؤلفه روبرت باير الضابط الميداني السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية والذي شغل مناصب أمنية عديدة، وكان ضالعاً في عمليات اغتيال في عدة بلدان بالشرق الأوسط، كشف كمية من الوقائع المتصلة بشراكة أميركية سعودية في تكوين الإرهاب التكفيري ورعايته، محاولاً تقديم الدلائل والاعترافات على مثل هذه الشراكة التي أدت لإنشاء تنظيم القاعدة التكفيري الإرهابي، الذي كانت اعتداءاته مبرراً أميركيا لشن حروب عدوانية في أفغانستان والعراق ومناطق أخرى وصولاً إلى تدخلها في سورية واليمن وليبيا.
يقول باير في فصل من كتابه: تستخدم الولايات المتحدة الإرهاب منذ فترة ليست بالقصيرة، ففي 1978-1979 كان مجلس الشيوخ يحاول تمرير قانون لمكافحة الإرهاب الدولي - لكن كل النسخ التي قدموها كانت تدين الولايات المتحدة بالإرهاب، يضيف في مكان آخر، (نحن من خلق تنظيم القاعدة بهدف محاربة السوفييت في أفغانستان)، وفي هذا الإطار يبرز شهادة لزبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في إدارة جيمي كارتر يعترف فيها على قناة سي إن إن بأن الولايات المتحدة نظمت ودعمت بن لادن وغيره من مؤسسي (القاعدة) في السبعينيات لمحاربة السوفييت. ويضيف في حوار له أنه في 3 تموز عام 1979 وقع الرئيس جيمي كارتر التوجيه الأول لتقديم مساعدات سرية لمعارضي النظام الموالي للاتحاد السوفييتي في كابول، وفي نفس اليوم، كتبت مذكرة إلى الرئيس شرحت له فيها أن هذه المساعدات، في رأيي، ستحفز تدخلاً عسكرياً سوفييتياً.
وفي شهادة أخرى أيضاً منسوبة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية ووزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت غيتس، اعترف الأخير في مذكراته بأن الولايات المتحدة دعمت من أسماهم (المجاهدين) في السبعينيات وكان يقصد تنظيم القاعدة في أفغانستان، كما أكد أيضاً أن أجهزة الاستخبارات الأميركية بدأت بمساعدة (المجاهدين) في أفغانستان قبل 6 أشهر من التدخل السوفييتي.
وأكدت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها عام 2002 أن الولايات المتحدة أنفقت ملايين الدولارات لتزويد أطفال المدارس الأفغانية بالكتب المدرسية المليئة بالصور العنيفة وتعاليم المتشددين الإسلاميين ....هذه الكتب التمهيدية، والتي كانت تعج بالحديث عن الجهاد ورسومات البنادق والرصاص والجنود والألغام، أصبحت المناهج الأساسية لنظام التعليم في المدارس الأفغانية. حتى طالبان استخدمت هذه الكتب التي صنعت في أميركا.. يقول الصحفي الأميركي المخضرم روبرت درايفوس: على مدى نصف قرن، اعتبرت الولايات المتحدة والعديد من حلفائها ما أسمّيه (اليمين الإسلامي) شريكاً مناسبا في الحرب الباردة.
يضيف درايفوس: في العقود التي سبقت أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الناشطون المتشددون والمنظمات الإسلامية الأصولية من اليمين المتطرف تُعتبر في كثير من الأحيان حلفاء لسببين، أولاً لأنه كان يُنظر إليهم كمعادين شرسين للشيوعية، وثانياً لأنهم كانوا يعارضون القوميين العلمانيين مثل جمال عبد الناصر في مصر ومحمد مصدق في إيران.
ويخلص الكاتب للقول، لو لم تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الدعم للجماعات الإسلامية العنفية والمتطرفين بدلاً من الجماعات الأكثر سلمية واستقراراً في الشرق الأوسط، لم يكن للإسلام الراديكالي أن ينمو بهذا الشكل الكبير جداً.