آخر التقارير الصادرة بهذا الشأن أعده العضو في الكونغرس الأميركي عن الحزب الجمهوري (ريتشارد لوغر) حول أمن الطاقة والتركيز على البحث عن مصادر جديدة قد تكون بديلة للنفط الشرق أوسطي أو العربي تحديداً وأهم المناطق المؤهلة لذلك (منطقة بحر قزوين).
ودراسة لوغر تعكس خشية واشنطن من خسارة لنفوذها في تلك المنطقة وسط تداعيات إخفاقاتها العسكرية والأمنية والسياسية في افغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وتفاقم حدة الممانعة والمقاومة للمشروع الأميركي (الشرق الأوسط الكبير) ثم الشرق الأوسط الجديد بعد الحرب الأخيرة في لبنان وإصرار إيران على مقاومة المشروع الأميركي وتحالفاتها الصريحة مع كل من سورية وحماس وحزب الله باعتبارها مواقع متقدمة وفعالة في إفشال المشروع الأميركي الصهيوني.
وانطلاقاً من احتمالات الفشل المرتقب في حال مواجهة مع إيران وكذا الأمر عدم قدرة المحافظين الجدد في الداخل الفلسطيني واللبناني على تمرير تسوية إسرائيلية مع الحكومة اللبنانية والفلسطينية بدعم الأطراف والدول التي تصفها الإدارة الأميركية (بالمعتدلة) أو (البناءة) في مواجهة تلك (المتطرفة) أو (الهدامة).
في ضوء هذا الإخفاق المحتمل والذي تظهر يوماً بعد آخر ملامحه انصرف الساسة والاستراتيجيون في الإدارة الأميركية إلى بحث البدائل بشكل جدي وخاصة فيما يتعلق بضمان استمرار سيادة الإدارة الأميركية وسيطرتها على الطاقة والتحكم بها مستقبلاً لتحديد المناطق والدول والأقاليم التي يجب أن تصلها تلك الطاقة في سعيها للتنمية والتقدم الصناعي والعلمي والمنافسة الاقتصادية عالمياً ما يجعل تلك الدول والأقاليم بحاجة إلى كسب ود الإدارة الأميركية واستمرار التناغم مع مشاريعها وتوجهاتها, دراسة لوغر بخصوص أمن الطاقة وبحر قزوين تدعو إلى التوجه بالاستثمارات إلى آسيا الوسطى, ويقترح مد شبكة الطاقة البديلة لتغذية الولايات المتحدة وبنفط بديل عن النفط العربي, وبشرط ألا تمر شبكة خطوط نقل النفط والغاز من هناك إلى أوروبا والأسواق الخارجية (عبر إيران وروسيا).
ويركز على تحييد البلدين المذكورين بممارسة الضغوط عليهما واستبعادهما من المنافسة في منطقة بحر قزوين من خلال إثارة النزاعات القانونية والسياسية هناك خاصة أن الولايات المتحدة والإدارة الحالية توصلت لنتيجة مفادها حرص القيادة الروسية الحالية على الاستفادة من ورقة الطاقة في سياستها الخارجية والتطورات المتسارعة التي حققها الاقتصاد الروسي في هذا المجال ومدى الاهتمام بالاتفاقات مع دول كثيرة من العالم بالنسبة لنقل الغاز والنفط سواء من أوروبا أو آسيا أو افريقيا وأميركا اللاتينية وضعت روسيا حالياً في مرتبة متقدمة عالمياً من حيث السيطرة على الجزء الأكبر من شبكات نقل الغاز والنفط وخاصة من آسيا الوسطى ودول بحر قزوين إلى الأسواق الخارجية, وهذا ما يربك الولايات المتحدة الأميركية في محاولة احتكار عصب الاقتصاد الدولي دون منازع.
ويقترح لوغر للحد من هذه السيطرة الروسية مد شبكات نفط وغاز من كازخستان إلى أذربيجان ومن هناك إلى جورجيا وتركيا ثم أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية أو الإيرانية, ودراسة لوغر تحتاج للوقوف بتأمل عند أسباب القلق الأميركي من مستقبل الطاقة عالمياً وتفكر بالبديل عن النفط العربي وحرصها على إثارة مشكلات عالمية جديدة والدخول في مواجهات سياسية ولوجستية مع روسيا عبر التدخل بشؤون منطقة بحر قزوين وهذا بحد ذاته يفسر الإقرار الأميركي باحتمالات تزايد المنحنى البياني المتصاعد في الفشل بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية ويعكس حسابات دقيقة لحدوث تغيرات جذرية في العالم العربي لمصلحة قوى الممانعة والرفض للمشروع الأميركي والمدعومة جماهيرياً على عكس قوى الاعتدال الأميركي ومدى انصراف الجماهير عنها وتسوياتها المذلة.