تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الواقع والسياسة.. والبحث عن الحقيقة

شؤون سياسية
الاربعاء 4/10/2006م
بقلم د.أحمد الحاج علي

ثمة وحدة تنتظم الموضوع بالتأكيد, وثمة توازن وتكامل بالمصطلحات نفسها وبدون هذه الرؤية الأولية لا نستطيع أن نؤمن القدر الكافي لمشروعية الكتابة

في مثل هذه الموضوعات باعتبارها ملحة من جهة وتتخزن في ذاتها المخارج والمنافذ المفضية إلى الحل.‏

فالواقع بمادته وقواه السياسية والاجتماعية وبالعوامل المؤثرة فيه سوف يبقى محتفظاً بقوة الدفع من جهة وضرورة الارتباط به من جهة أخرى أي إن المنهج يقوم على أساس رفض الواقع والالتزام به في سياق واحد, لأن الضياعات في الفكر السياسي تأتي من احتمالين, إما من احتمال الصمت عن الواقع والتستر عليه بل وإطلاق فكرة التمجيد له, وهذا ما يسحب أي مشروعية في تحليل الواقع وتحديد سماته السلبية والإيجابية وبالتالي تتحول الكتابة عندها إلى وصف تسجيلي من شأنه أن يفاقم الأزمة ويجذر حالة الضعف والانهزام, ويبشر بحدود معنوية متآكلة وسديمية وغير قابلة للتداول أو الحياة, أو أن يقع الفكر السياسي المكتوب أو المعلن بالمطب الآخر النقيض والمتمثل بالرفض الاجمالي والمجاني للواقع تحت وطأة الإحساس بأن الواقع نفسه صياغة خارجية مستوردة إما من عصر مضى أو من خلف المحيطات وهو إرث متراكم لمرحلة دون غيرها وبالتالي فإن منهجية نسف الواقع هي الصالحة أكثر من غيرها للتأثير والتغيير, والمطبان معاً أعني تزيين الواقع من خلال الموقع أو نسف الواقع من خلال الفكرة المستبدة المسبقة يوصلان إلى نتيجة واحدة يختلف فيها الشكل ويتوحد فيها المضمون ويبقى الرابح الأكبر هو الواقع الفاسد وقواه ويبقى الخاسر الأكبر هو الجماهير وقضاياها ومصالحها, والسياسة ليست مجرد حلم بإنجاز هدف أو تحسين واقعة إنما هي محصلة الوعي والإنجاز والالتزام بالقواعد الكبرى في محاولة لا تتوقف لإحداث نمط من الحيوية السياسية الأساس فيها أن يتوفر لها عناصر ثلاثة:‏

- العنصر الأول: هو الفكر السياسي وما ينتجه من وعي وفاعليات وما يتصل به من أحداث ووقائع تاريخية وراهنة كل ذلك في نطاق أن يصبح العمل السياسي نفسه وليداً شرعياً لحالة قائمة ولضرورات مؤثرة ولأسباب لها كل الأولوية في تقديمها على ما عداها.‏

- العنصر الثاني هو: وجود الهوية السياسية وحضورها ليس بالمعنى العقائدي أو المرحلي وإنما بما يرتبط بحاجات الجماهير وبمواجهة التحديات الراهنة وفي مثل وضعنا العربي ما يتصل باستعادة الحق وتحرير الأرض وبناء مقومات الكيان القومي المتفاعل على الأقل, وهنا لابد من حذف فكرتين خطرتين, الأولى الاعتقاد أن القالب جامد وليس على الناس سوى التطبيق, والثانية الجموح نحو تغليب الخاص على العام والذاتي على الموضوعي والجزئي على الكلي, أي إن الهوية السياسية هي مشتركات الأغلبية على الأقل ونزوع المجموع في المحصلة النهائية والذين يتصورون أن الهوية السياسية تحتكر في حزب وتجمد ضمن طائفة وتكثف في إثنية معينة إنما ينسفون سلفاً مقاطع الهوية نفسها وعوامل تأسيسها واندفاعها.‏

- وأما العنصر الثالث فإنما يفرض حضوره من خلال الحركة القائمة في الواقع نفسه حيث ينتقل الفكر من المجرد والتصور إلى مرحلة التوطين والتوطيد, إن هذا الخيار يقطع الطريق على أصحاب نزعات المزايدة وهواة التجارة بالصالح العام وآلام الناس وقضايا المجتمع الكبرى, إن المسألة تبدو بهذا المنطق أنها بحاجة إلى وعي في مجال حيوي بصورة واضحة وحيوية.‏

عندها وفي حمى هذه العناصر الثلاثة يحق لنا أن نكون رأياً أولياً عن سياسة قائمة أو واقع سياسي محتمل, وحتى هذه اللحظة فإن المخاطر الكبرى التي أحاطت بالسياسات العربية وخلقت منها نتاجاً متضخماً في المكان, إنما تمثلت بالقفز فوق حقائق السياسة وقواعدها من جهة وبالترويج للفكرة القاتلة القائلة إن السياسة هي مجموع نشاط الحاكم ووجهات نظره وما يدور حول هذا المحور بطريقة التكرار دون كلل أو ملل وبهذا المعنى فإن الواقع السياسي العربي استمرأ لعبة مزدوجة غذتها الأنظمة واعتادت شرائح كبيرة من الجماهير على ترديدها ولربما التغني بها, وأما الطور الأول في اللعبة فهو نقل معايير العشيرة والقبيلة والعصبية عموماً من الحياة الاجتماعية إلى الحياة السياسية المعاصرة ونقل هذا كان براغماتياً أي إنه أخذ الشكل المناسب لمصلحة الحاكم في اللحظة الراهنة, مع تجاوز القيم الأخلاقية والمعنوية وبواعث الحدث والضرورات التاريخية التي احتفظت بها الأنماط القديمة ولم تنقلب عليها أو تعاملها بجفاء أو أن تسمح للفعل الخياني أن يداخلها ويتدخل فيها وهكذا صارت قواعد السياسات العربية الراهنة تقوم على معايير مثل الاستفاقة والنخوة واستجداء عوامل الأخوة والبنية التاريخية الواحدة دون أن تسمح للعوامل الحقيقية مثل المنهجية وقواعد بناء النظام السياسي المعاصر والديمقراطية وخيارات التقويم والنقد والمحاسبة في أن تدخل بمنسوب عضوي في عناوين وتفاصيل السياسات العربية الراهنة, وفي المنحى الثاني تجاهلت الوقائع السياسية العربية الراهنة بمجملها قصة ربط النتائج السلبية بالعوامل والظروف التي أدت إليها وبطريقة إبرازها كناتج مقطوع عن التيار الأهم والمتمثل بدرجة التحولات المطلوبة وبتوظيف الفعاليات بصورة محسوبة.‏

لعل الاتجاهين معاً الآن هما اللذان يروجان لفكرة سقيمة مفادها أنه يمكن أن نتحدث عن انتصارات في مناخ مفعم بالهزيمة وأن نتخذ قرارات ذاتية في جو الانتماء الأجنبي والانتساب إلى مشاريعه والامتثال لخياراته السياسية والاقتصادية والثقافية, وإلا فكيف لنا أن نصدق أن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية تغزو الوطن وتحتل الأرض وتذهب الثروة وتحطم القيم تتحرك إلى فاصلة أخرى هي الوصاية والولاية على العرب ثم تبدأ مرحلة أكثر خطورة بطرح مشاريع فكرية وسياسية وتربوية مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير بقصد تعليم العرب أبجدية الحياة والخطوات الأولى لبناء الحضارة المزعوم, حيث يكون علينا أن نرتاح بل ونتقبل فكرة استيراد مقومات بناء الذات كإنجاز طبيعي لفكرة الاستقواء بالأجنبي على حل مشكلاتنا وتوقيف نهر الدماء فيما بيننا والحاجة لحاكم وليس لحكم يصون دماءنا ويؤمن لنا حيزاً من الأمن والسلام والحاجات الغريزية.‏

إن المسألة صارت تحتاج إلى ما هو أبعد من النقد والتقويم, صارت تحتاج إلى برنامج إعادة النظر وهو الذي يتناول الجذر قبل الغصن والأساس قبل المداميك اللاحقة التي تراكمت في زحمة الهزائم وحمأة الاتكال على الأجنبي واستدعائه على عجل لكي يحفظ ما تبقى من ماء وجه ومن هياكل منتفخة لهذا النظام أو ذاك.‏

لعله في سياق وحدة المنظومة الواقع والسياسة وما يجب أن ينتج عن تفاعلهما تفرض مسألة البحث عن الحقيقة ضرورتها وأوارها في وقت واحد لأن الواضح حتى الآن أننا نخوض معارك في غير ميادينها وساحاتها أو أن هذه المعارك ذاتها متخيلة وموهومة ولازالت في الطور ولم يأخذ أحد بها إلى الصدور والعقول والجوارح, وحينما تحدث لحظة انبعاث كما قدمتها الجماهير بالأمس في حرب تشرين أو كما أنجز نموذجها حزب الله في إدارة المعارك مع العدو الصهيوني, حينما يحدث ذلك يكتشف أصحاب المشاريع الخارجية وأعوانهم في الداخل العربي أن ثمة خطوة جريئة ومهمة بدأت تفتح الأفق على الحقيقة ونحو الحقيقة وهذا يعني بالمنطق الفكري والعملي أن تبدلات جدية لابد لها أن تحدث بالواقع العربي الجوهر فيها أن تكبر وتتعدد لحظات الانبعاث الحقيقي وأن تمتد إلى بعضها البعض لتضع في النهاية خطأ متوازناً ومتوازياً يلفت نظر الجميع إلى أن الثقة بالنفس ممكنة وتوظيف إرادة الإنسان في البناء والمواجهة ممكنة والصمود أمام همجية العدو وهمجيته ممكنة والأخطر من ذلك أن إمكانية تسجيل نقاط نصر واضحة على العدو وما يعنيه هو أمر ممكن أيضاً, ولهذا السبب نرى كل مواقع ومراكز القرار السياسي في الخارج والداخل تتضامن تحت أية مسميات لإحداث القطع على لحظة الصحوة وللتحرك بسرعة لإجهاض النتائج المتحققة بالوعي والدم في مرحلة الاستثمار السياسي اللاحق لصيغ مختلفة وأشكال مختلفة حتى وإن وصلت إلى درجة استصدار قرارات من الأمم المتحدة أو من مجلس الأمن الدولي, ويبقى الأمر منوطاً برفع درجة التزييف من الواقع وإدخال موجات أولية من مكونات الحقيقة وما تشتمل عليه من عناصر الوعي والجرأة والالتزام بحقائق الواقع بعيداً عن كل ما ينتج الضجيج ويضيع القضايا والإنسان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية