تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لماذا?!

آراء
الاربعاء 4/10/2006م
د. هيفاء بيطار

ليس من حق أحد أن ينتقد الفنانات حين يقررن الاعتزال, وحين يخترن لبس الحجاب, لأن كل انسان يملك حرية اختياراته, وأجد انه من الاجحاف والتعدي على حرية الآخرين حين يقول البعض بسخرية مبطنة بشماتة: هل نسيت الممثلة الفلانية ادوارها وهي ترقص أو تلبس المايوه, وبعد سنوات من عملها الجريء تحجبت?!.

يجب ان يدخل احترامنا للاخر في صميم شخصيتنا, وان نكف عن لعب دور تقييم حياة من حولنا, واطلاق الاحكام الاخلاقية عليهم, فنحن لسنا ديانين.‏

لقب تقبلت قرار الممثلة المبدعة سهير البابلي بلبس الحجاب بكل احترام وتابعت باهتمام الحوار الذي أجرته معها الاعلامية الاستفزازية بلباقة هالة سرحان, لكني صدمت -وكثيرين من المتابعين للحوار- حين قالت سهير البابلي: انها طلبت من الله بعد ان لبست الحجاب أن يجعلها ترى خشبة المسرح كشيطان, أو كما لو انها تنظر الى الشيطان!!.‏

في البداية لم اصدق ما سمعت, واعتقدت اني اخطأت في فهم كلامها, لكنها كررت ما قالته بكثير من الحماسة والقناعة, لدرجة وجدت نفسي مقحمة رغما عني في تساؤلات من حقي, وحق أي مشاهد أن يطرحها على ممثلة مبدعة, وقفت على خشبة المسرح الجاد والملتزم أكثر من ربع قرن.‏

تذكرت انني في بداية مراهقتي حضرت مسرحية من بطولة سهير البابلي أذهلتني قدرتها العالية على تجسيد الدور, وموهبتها النادرة في التأثير على المشاهدين, لأنها تمتلك قدرة عالية على التعبير, يومها عرفت أن سهير البابلي تمثل مسرحية لبرناردشو, يومها لم أكن قد سمعت بهذا العبقري, وكان لها الفضل في دفعي لقراءة مسرح برناردشو.‏

لو أن ما قدمته سهير البابلي طوال ثلاثين عاماً كان فناً هابطاً, سطحياً سخيفاً لفهمت انها نادمة, وتتمنى لو تتملص من أعمالها, وتطلب من الله أن يجعلها ترى خشبة المسرح كشيطان, لكنها طوال مسيرتها الفنية المشرفة قدمت فناً راقياً, من روائع المسرح العالمي, وأبدعت وأثرت في جمهورها بطريقة ايجابية.. وأنا اعتبر أن المسرح من ارقى أشكال الفن, إذ لا توجد حدود بين الممثل والمشاهد فالمشاعر والمواقف طازجة تنتقل مباشرة إلى الجمهور.‏

فلماذا يا سهير هذه الردة غير المنطقية? كيف بإمكانك اهانة فنك كما لو أنك تطعنيه في الظهر.. ثم أي تناقض بين الدين والفن, الفن الراقي يشذب مشاعر الإنسان, ويرقيها, ويفتح ملكاته العقلية والشعورية لتحسس الفن والجمال والمعاني العميقة والرائعة في الحياة, انه في جوهره له غاية الدين نفسها.. فغاية الأديان الرقي بالإنسان وصقل إنسانيته.‏

أي خيبة مرة نشعر بها حين نرى مبدعاً يتنكر لإبداعه.. تصوروا لو ان نجيب محفوظ مثلاً أو ماركيز, صرحا انهما نادمين على ما كتبا!! ألن يفقدا مصداقيتهما! إذ لا قيمة لعمل لا نؤمن به, لا نحترمه ولا نعتبره مرآتنا وحقيقتنا.‏

سهير البابلي فنانة عظيمة, تابعت تاريخها الفني, وعرفت أنها من القلائل الذين لم يهتموا بالمال, بل كانت تتفانى في ابداعها على خشبة المسرح مقابل أجر زهيد وقد أهدت ثلاثين عاماً من عمرها لجمهورها الذي تحبه.. لكن كل نجاحها يتحول إلى مرارة كثيفة يحسها جمهورها حين تعلن أنها تتمنى أن ترى المسرح كشيطان تنفر منه.‏

ان سقطات المبدعين لا تغتفر, بل يحق لجمهور سهير البابلي ان يعاتبها إن لم أقل يحاكمها.. لأنها بتصريحها اللا منطقي هذا تسحب روح أعمالها وغاياتها وقيمتها وتضعنا أمام تشكيك بما قدمته وتتركنا ذاهلين.‏

ويؤسفني أن اضطر لذكر تلك العبارة التي تذكرتها بعد متابعتي للحوار مع سهير البابلي, عبارة قالها أحد الفلاسفة وهي (المثقفون أكثر الناس خيانة).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية