تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أراغون والفن الحديث: اجتماع المتناقضات

ثقافة
الأحد 6-6-2010م
عن لوموند دلال إبراهيم

عرف عن الشاعر لويس أراغون على مدى سني عمره الممتدة من عام 1897 إلى 1982 مساره المتعرج وتقلبه في انتمائه ونقله البندقية من كتف إلى كتف . بداية وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى

كان أحد أعضاء الدادائية الفرنسية، ومن ثم أصبح في عام 1924 أحد أبرز المؤسسين للتيار السوريالي، وفي ذلك الحين كان تقلبه سريعاً بقدر ما كان أيضاً مستقيماً فهو يهرع نحو المجهول والمجازفات الفنية والشعرية والأيروسية. في ذلك العام لم يكن أراغون يبلغ من العمر سوى 27 عاماً، وقد انخرط في مغامرة محفوفة المخاطر من حيث قدرته على مواصلة السير بها. ولكن، ومنذ بداية أعوام الثلاثينيات تحول اتجاهه بشكل واضح.‏

أو بالأحرى يمكننا القول: إن أراغون انقسم بين منحنيين أو وجهتين متغايرتين، إحداها تتمركز في محور ما كانت عليه الأوضاع في السنوات العشر المنصرمة، أي الدفاع عن السوريالية، وبشكل أعم الدفاع عن الفنانين المعاصرين وأبطال تلك الحقبة التي بلورت فكر أراغون، واعتبرها مرحلة مهمة في تطور نظرته إلى الأشياء، مثل بيكاسو وبيكابيا وارنست وتانغي وميرو وآب وجياكوميتي ، حيث كان الشاعر يمضي ساعات طويلة في تأمل رسومه وفي التحدث معه في موضوع الرسم وفي مفهومه لهذا الفن، فنانون أوحوا له بقصائد ومقالات مهمة ولم يترددوا في تزيين كتبه بالرسوم .‏

والمنحى الثاني مال فيه نحو الواقعية في الفن، الذي جاء عقب الحرب العالمية الثانية ، وارتكز هذا المنحى في تمجيد الواقعية الاشتراكية السوفييتية ونظيرتها الفنية الفرنسية التي كانت تحاول تطبيقها أو مقاربتها. أي صناعة مزيج غريب. ومن فناني ذلك المنحى الذين ساندهم الشاعر نذكر منهم فوجيرون وتاليتزكي وغروبر وبوفيه أولورجو. وفي مقالاته التي كرسها لهم، وقد شغل لويس أراغون منصب مدير الوعي الفني في الحزب الشيوعي الفرنسي ومشرفاً على تحرير مجلة (الآداب الفرنسية) كان أراغون يمتدح ويقرظ نهج موسكو. وطبعاً تنطوي هاتان الوظيفتان على تناقض كبير، فكيف يمكن أن نعجب برقة وسلاسة ميرو وثقل لورجو في الوقت نفسه؟‏

ويعرض المعرض الحالي المقام في متحف البريد بعنوان ( أراغون والفن الحديث) التناقضات التي ميزت شخصية هذا الشاعر، ويضم كتباً ومجلات وكاتالوغات، التي صدرت فيها نصوص أراغون النقدية، ورسوماً ولوحات وقطعاً مختلفة لأربعين فناناً كتب الشاعر عنهم في شكل مسهب وثاقب، ينتقل فيه الزائر بين الصالة السوريالية الجميلة إلى صالة الواقعية الاشتراكية الحزينة. ومن خلال اعتماده على المئات من الأوراق الموجودة لدى مجموعات خاصة أو عامة يبرز المعرض ميول أراغون وينجح في بعض الأحيان بأن يظهر أعمالاً فنية امتلكها الشاعر أو عرفها مباشرة. وأشهرها لوحة ( لا جوكاند بشاربين) للفنان مارسيل دوشان ولوحة (صيدلية) .‏

وثمة صالة تعيد جزئياً بناء عوالم أراغون الداخلية خلال الأعوام الأخيرة من حياته. وتغطي جدران هذا المعرض الصور والرسائل ونتاجات متعددة، كما يروي ظمأ المتعطشين للتفاصيل. من جهة أخرى تعرض فيه اللوحات بعناوين ذات إيحاء، لوحات تعود لفنانين مدحهم أراغون، بتواريخ محددة. ونظراً لأن أراغون كتب عن أفضل معاصريه من الفنانين، فقد أغنى ذلك المعرض بمختارات مغرية، ومن ضمنها لوحات نادرة ونفيسة للفنانين ماكس ارنست وبيير روي. ويبقى الشيء الذي يثير الانزعاج في هذا المعرض هو مشهد كاتب يمارس التحول الكبير ويستخدم الكثير من المهارة والبيان في الإشادة بالفنان فوجيرون مثل ماتيس .‏

وفي عام 1953 سقط البهلوان عن أرجوحته،حين طلب من بيكاسو رسم لوحة تشيد بالزعيم ستالين، عقب وفاته، والتي نشرها في أحد أعداد مجلة ( الآداب الفرنسية) ولأن الصورة خضعت لتغيير كبير في شكل ستالين، ثار غضب قراء المجلة والمقاولين واللجنة المركزية، واضطر أراغون إلى تقديم اعتذار علني عن خطئه هذا، وعاد بعدها أراغون إلى شخصيته الانفصالية الفنية، وكأن شيئاً لم يجر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية