عالم الأحلام المتمرد من القيود، وعالم الحقيقة المنظم بالقوانين، على الرغم من كونهما عالمين منفصلين ومتصلين، والتخييل في النهاية غير منفصل عن الواقع لأن الداخلي والخارجي يتفاعلان من خلال منهجين مختلفين من حيث الدلالة والرمز الذي هو علاقة أو إشارة لصاحب الحكم يمكن تأويلها للكشف عن معناها، وبالتالي يؤدي الحلم دوراً أكبر بالنسبة للقارئ.
وإذا كان التخييل يضفي على القصة القصيرة لمسة شفيفة وتأملات تتواصل مع الحاضر والمستقبل تحمل مؤشرات ودلالات ورموزاً ترتبط بالسارد من جهة والمتلقي من جهة أخرى، فهل استطاع القاصون إضفاء مثل هذه اللمسة؟
تحت الغربال
في قراءاته لسبع قصص شارك كتّابها في المهرجان أعاد باسم عبدو ، بناءها، فرأى أن بعضها كانت سماناً إذ ركزت معظمها على التخييل في القصة القصيرة أما العجاف، فكانت قصتين اثنتين: الأولى لخطيب بدلة القاص والكاتب الساخر في قصته « من مذكرات انقلابي جديد» إذ كانت عبارة عن سيرة ذاتية تتخذ شكل يوميات مؤرخة باليوم والتاريخ، ولايعلم الناقد إذا التزم القاص بوصية صاحب اليوميات، أو أن التواريخ غير حقيقية.
فالسيرة الذاتية كما يقول الناقد، د.محمد البارودي، تروي أحداثاً شخصية، وتنأى عن سرد الأحداث العامة في حين تركز المذكرات على تدوين الأحداث دون تعليق على الحياة الشخصية لكاتبها.
وتظهر البساطة في قصة يوسف الأبطح (المحلق) في الحدث وتكراره، فالكاتب لم يأت رمزه بجديد، فكان مألوفاً جداً وعادياً، وقد كتب عنه الكثير وبعمق أكبر، ويمكن لأي قارئ أن يؤول الغرض والهدف من القصة، فالطائر يحلم بالحرية ويطمح لتحقيق كرامته كما الإنسان.
الحلم والرمز
ويرى عبدو أن القصص الأكثر تعقيداً وتأويلاً وحبكة وتقنية كانت لعدنان كنفاني(هلوسة ذات ليلة) وقصة إبراهيم خريط (الحصار) وقصة نبيل حاتم (الرجل الذي تبخر).
وإن كان نأى عن الخوض في تفاصيل قصة كنفاني لعدم حضوره المهرجان فقد استفاض في قصة (الحصار) التي وجد فيها غرائبية سحرية، وتخيلات سرعت في خفقان قلب الراوي، الذي يحكي قصة متخيلة لها خيوط تتصل مع الواقع وتحدث في أمكنة عدة.
كما يرى تقاطعات ومقاربات تخييلية ومفارقات مدهشة في قصص الكتّاب الثلاثة، وهي نتاج وتعبيرات قابلة للتحقيق، تصل جذورها بين عقل الواقع، والعقل الباطني، وتأتي قصة نبيل حاتم (الرجل الذي تبخر) لتوثق هذه العلاقة ضمن دائرة التخييلات الغرائبية.
مبالغة وأوهام
القصة السابعة كانت بعنوان ( تمثال الملكة) للقاصة ابتسام شاكوش، التي تكشف في بدايتها، أن تمثال الملكة أصبح ملك الفنان، وهو الرمز الذي أعطاه الشهرة لكنه حين فتح عينيه لم يجده!
ارتكزت شاكوش على الفعل الماضي الذي أضعف الوتيرة السردية، بعكس الفعل المضارع الذي يعطي السرد الحركة والفعل أكثر، فضلاً عن أن في القصة أو الحلم مبالغة وأوهاماً في مغامرة الفنان وبحثه عن التمثال في متاهات الغابات والوديان ووصوله إلى قمة الجبل، وهذا الإطالة أربكت السرد وأبطأت الحدث، وربما رهلته، وكذلك تنقل الشخصية في الطبيعة التي تحولت إلى «سوبرمانية»ِ وخيال الملكة يتربع في ذاكرته، ويأبى العودة إلى مكانه في القلب، ويبين القارئ الناقد أن النهاية لم تكن بمستوى الحدث وقوته، ولاحتى بمستوى التناقضات الداخلية، والعلاقة بين ماهو هاجسي وواقعي، فرغم كل المصائب التي حلت على رأس الفنان، وكل التيه والضياع، ظل يبحث عن الملكة، وبقي المعرض في المدينة خالياً من صورتها ومن اسمه، لكن الحياة لم تتوقف، وحلم الفنان لن يكون نهاية الدنيا.
تداعيات وطن
ومن خلال قراءته لقصة الكاتبة هالة المحاميد «للوطن رائحة أخرى» رأى الناقد عوض سعود عويض، أنها قصة حب للوطن والشهداء، فيها وصف للحالة العربية المتردية، وتدهشنا القاصة باعتنائها باللغة الرشيقة المنثورة في القصة، كما أن فيها سرداً يبين الواقع السيىء والقتل، ووصفاً للأجساد المقطوعة، والرؤوس المتدحرجة وأدراج المشارح، وتعود القاصة في سردها إلى الماضي القائم على التداعيات، وهي حريصة في كل ذلك أن ترسم الوطن جميلاً وخصباً بخطوط خضراء، فيما نراه غالباً مرسوماً بالدم.
ولنا رأي
فيما يتعلق بتنظيم المهرجان، كان لافتاً غياب التنسيق وقد أدى غياب بعض الكتّاب، إلى غياب القراءات النقدية المهمة لأعمالهم، كما بدا سوء التنظيم واضحاً لجهة عدم تحديد وقت معين لكل قصة، إذ يفترض ألا تتجاوز قراءة القصة القصيرة العشر دقائق، بينما نرى البعض قد أطال إلى النصف ساعة تقريباً، حتى إن البعض علق قائلاً: إن القصة القصيرة قد تحولت إلى رواية، فضلاً من خروج البعض عن عنوان المهرجان وتقديمهم قصصاً أشبه بتقارير إخبارية.