وقد تبارى العديد من الخبراء والمحللين في وصف حالة الفوضى وانعدام الأمن في ساحل الصحراء الأفريقية، وصعود الحركات المتطرفة بالقول: إننا أمام ظهور حالة «أفغانستان» أخرى في غرب أفريقيا، أو نموذج لـ «إمارة طالبان» في قلب صحراء مالي.
أما سياسيا فان المواقف لا تزال متقلبة حول شمال مالي أكثر من أي وقت مضى وقد يكون المعني الاول بالقضية المالية هو الاتحاد الافريقي الذي بدأ حركة نشاطه في حل الازمة المالية عالية الاداء في مجال التصريحات ومتوسطة الانجازات على الصعيد العملي حيث يسعى الاتحاد الافريقي الى الرسو على بر حل الازمة التي يصفها بالمعقدة جدا حيث عد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الدكتور جان بينج الأزمة في مالي واحدة من أكثر التحديات التي تواجه القارة الإفريقية وذلك بعد أن سيطرت الحركات المسلحة على شمال البلاد.
وقال بينج خلال اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا لبحث الأزمة في مالي والتوترات بين السودان والجنوب عشية القمة التاسعة عشر لرؤساء دول وحكومات الاتحاد « إن استمرار الأزمة في مالي يشكل خطرا حقيقيا على استمرار وتماسك دولة مالي وكذلك على الاستقرار والأمن الإقليمي وبتاريخ17 تشرين الاول 2012: توجهت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي الدكتورة نكوسزانا دالميني زوما إلى مالي حالياً لحضور الاجتماع الهادف إلى حل الازمة في مالي والذي عقد في 19 تشرين الاول 2012 في بماكو، ويضم دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والأمم المتحدة والجهات المعنية الأخرى. وناقش الاجتماع التحديات السياسية الحالية التي تواجه مالي بما في ذلك خارطة طريق لاستعادة الديمقراطية والتعامل مع التهديد الذي تشكله المحاولات الهادفة إلى الانفصال. وذكرت الدكتورة دالميني زوما أن مجموعة الدعم والمتابعة قد عقدت اجتماعاً رفيع المستوى في بماكو، للتباحث مع السلطات المالية بشان طريق المضي قدماً فضلاً عن استعراض مسودة المفهوم الاستراتيجي لحل الازمات في مالي، الذي اعدته مفوضية الاتحاد الأفريقي بالتشاور مع السلطات في مالي، وإيكواس، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والجهات المعنية الدولية الاخرى. ويبين المفهوم الاستراتيجي الذي تم وضعه في متابعة لقرارات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، على نحو كلي، التدابير السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها التي يتعين اتخاذها لمواجهة التحديات المطروحة. وكنتيجة رئيسية لذلك الاجتماع في بماكو فقد تم الترحيب بمسودة المفهوم.
وقبل مغادرتها أديس أبابا، أوضحت الدكتورة دالميني زوما اهمية مشاركة الاتحاد الأفريقي في الاجتماع. وذكرت « إن الازمة في مالي تتجاوز المنطقة، ويمكن أن تنتشر في المنطقة بمجملها ما لم يتم إدارتها، وكذلك في سائر ارجاء القارة. ولذا فهي قضية بالغة الاهمية ويجب العمل عليها بحزم. وقد أجرينا مناقشة عندما كنت في نيويورك (في ايلول الماضي) مع الماليين ومع مفوض الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن، واتفقنا على أن الاتحاد الافريقي يجب أن يلعب دوراً أكثر نشاطاً في الأزمة».
وكطريق للمضي قدماً، ذكرت رئيسة المفوضية أن الاتحاد الأفريقي يعمل مع السلطات في مالي وإيكواس والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والشركاء الآخرين لإنهاء التخطيط المشترك من أجل النشر المبكر لقوة دولية بقيادة أفريقيا لمساعدة مالي على استعادة الاراضي المحتلة في الشمال. وفي الوقت ذاته، ستدع باب الحوار مفتوحاً مع الماليين الراغبين في التفاوض على اساس التزام واضح بإحترام وحدة مالي وسلامة اراضيها ورفض الصلات مع المجموعات الارهابية الاجرامية.
أما دول الجوارفبينما تهدد الأزمة في مالي بأن تتفاقم وتتحول إلى كابوس أمني وإنساني إقليمي مطبق، تتطلع تلك الدول التي ينتابها القلق إلى الجزائر لقيادة الجهود لإدارة الصراع.
ولم يرق العمل الدولي في مالي إلى مستوى التوقعات، إذ لا تزال الدول الأساسية التي يمكن أن تؤثر على مسار الصراع على خلاف بشأن أفضل السبل لإعادة الاستقرار إلى مالي.ولا تزال أيضاً الأسئلة المتعلقة بضرورة توقيت وشكل قوة التدخل في شمال مالي قائمة.بيد أن أي تدخل متسرع يتجاهل الديناميكيات المحلية المعقدة يمكن أن يزيد الانقسامات في مالي.
مبادرة الجزائربرؤيتها المعروفة الأبعاد والمضمون سياسيا لدى الأفارقة والمجموعة الدولية، تقوم على حل كلي متكامل، سياسي، اجتماعي، ثقافي واقتصادي، يرفض التدخل الأجنبي العسكري، وهو ما قامت به منذ سنوات، وذهبت إلى حد المبادرة بتمويل التنمية المحلية شمال مالي، تجسيدا لاتفاقية 2006، انطلاقا من منظور يميز بين الحركات الناشطة في المنطقة، ويعتبر استقرار المنطقة عاملا حيويا لتأمين الحدود الجنوبية المشتركة مع مالي، الممتدة على طول 1300 كلم، ويحول دون إعادة الروح في مشاريع استعمارية مكشوفة، تقوم على بعث نعرات الأقليات العرقية واللغوية والدينية، في حين يأتي الحل العسكري في آخر المطاف.
كما أن لهذا المنطق مصلحة داخلية محضة، حيث إن الأمن شأن متكامل، إذ يسعى إلى تجنيب إقحام الجزائر وجيشها في معارك خارجية، وهي لا تؤمن بنجاعة مقاربة معالجتها، بل وتتعارض مع مبادئ سياستها الخارجية، وأبعاد أمنها القومي، حيث ستستباح الحدود الممتدة، سواء من قبل النازحين من هول تفعيل التدخل العسكري الأجنبي، وما قد يرافق ذلك من تسلل للمخابرات الأجنبية، بالنظر إلى طول الحدود والطابع الإنساني للنزوح، كما يستباح المجال الجوي بفعل نشاط طائرات الاستطلاع عالية التكنولوجيا والأقمار الصناعية بشكل كثيف، إلى جانب كشف طبيعة الأداء العسكري الجزائري، إيجابيا أو سلبيا، وزرع الضغائن والأحقاد مع شعوب الجوار، وما يحدث لباكستان في المستنقع الأفغاني على سبيل المثال خير دليل.
وهي نظرة تتساوق مع ما ذهب إليه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لمنطقة الساحل الإفريقي، رومانو برودي، خلال زيارته إلى الجزائر، حيث أوضح أن التدخل العسكري في مالي سيكون «الحل الأخير». وأضاف «أنا هنا للبحث عن السلم، وعلينا العمل بإرادة قوية من أجل إقرار السلم في المنطقة»، مشيرا إلى أن «كل الحروب التي عرفها العالم تسببت في مآس بالنسبة للبشرية». وبرودي شخصية سياسية ملتزمة معروفة بمعارضته للفكر الاستعماري الجديد، والهيمنة الغربية الإمبريالية، وهو ما عبر عنه حين كان على رأس المفوضية الأوروبية، ووزيرا أولا في إيطاليا.
مواجهة الجزائر للأزمة المالية، منذ التسعينيات وبشكل استثنائي منذ بداية الأزمة الليبية، تبدو أكثر من مقارعة دبلوماسية ظرفية، بل إنها حرب استباقية ضد مخطط استعماري قديم جديد، يسعى بكل الطرق إلى ضرب القرار السيد للجزائر واستقرارها، ودورها المتعاظم، وزرع الفتنة في أوصالها، مستغلة تهلهل وهشاشة دول الجوار
وخضوعها، حيث تحولت الحدود، كل الحدود، إلى أمواج من اللهب تهدد الأخضر واليابس.