وقد بات واضحاً أن إدارة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي مارست دوراً مهماً في الإطاحة بنظام الرئيس أمادو توماني توري بانقلاب عسكري في 22 آذار 2012 تمهيداً للتدخل العسكري في مالي.
لقد انزعجت باريس من عجز حكومة باماكو وعدم قدرتها على مواجهة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي الذي ما فتئ يختطف رهائن فرنسيين وعملت أجهزة الاستخبارات الفرنسية على عقد صفقة مع بعض القوى في الشمال من أجل إضعاف النظام الحاكم في باماكو، وإفساح الطريق أمام ظهور حكومة قوية تأخذ على عاتقها مهمة محاربة التيارات الإسلامية (الجهادية) في شمال البلاد.
ولعل السؤال الذي واجهته حكومة الرئيس فرانسوا هولاند منذ البداية تمثل في إشكالية أزمة مالي وكيفية مواجهتها،وكانت الإجابة هي حتمية تغيير الاستراتيجيات والسياسات الفرنسية المتبعة، ودعم الجهود الدولية من أجل التدخل الدولي بقيادة الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا المعروفة اختصاراً باسم (الإيكواس).
ومن المعلوم أن فرنسا وكذلك الولايات المتحدة لا تستطيع المشاركة بقوات تدخل على الأرض لاعتبارات عديدة، لعل من بينها وجود رهائن فرنسيين في شمال مالي، وعلى أية حال، تستطيع فرنسا تقديم المساعدات اللوجيستية والاستخباراتية اللازمة لأية غارة دولية تستهدف الشمال.
وحاولت باريس جاهدة توفير غطاء المشروعية الدولية من خلال استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح بتدخل قوات أفريقية ولاحظنا في الفترة الأخيرة كيف أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند،أبدى استعداده لدعم تدخل إفريقي محتمل في مالي إذا وجه إليه طلب في إطار هيئة الأمم المتحدة، وذلك من أجل استعادة مالي السيطرة على أراضيها من الجماعات المسلحة التي تسيطر على الشمال وذلك اثناء استقباله لنظيره المالي بالوكالة، مستندا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2056 المدرج تحت الفصل السابع الصادر في الخامس من تموز 2012 الذي يتيح استخدام القوة.
ولعل الدوافع الفرنسية لتدخل عسكري في مالي مرتبطة بعاملين اثنين، فمن جهة بسبب سعيها لحماية المصالح الاقتصادية وغيرها لفرنسا في المنطقة، ومن جهة أخرى لاعتبارات متعلقة بالسياسة الداخلية لفرنسا في أعقاب النقاش الدائر حول القيادة الفرنسية الجديدة على الساحة الدولية.
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رفض بشكل قاطع، الفكرة التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بإجراء أي مفاوضات قبل تدخل عسكري إفريقي في شمال مالي ما يؤكد عزم فرنسا وتصميمها على عسكرة الأزمة في مالي خدمة لمصالحها.
إن المخزون الطاقي الكبير الذي يتوافر في مالي يحرك أطماع باريس وهناك صراع مصالح بين عدة دول وجهات وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، والأمر بالنسبة للدول الكبرى، وخاصة فرنسا وأمريكا واضح وهو أن التدخل سيكون بقوات إفريقية وأن دورها سيتلخص في تقديم الدعم اللوجيستي والتقني ما يعني أنها لن ترسل جنودها ليقاتلوا في الصحراء الإفريقية وأنها ستكتفي بجعل هذه الحرب إن وقعت فضاء إشهارياً بمساحة منطقة الساحل لأسلحتها وآلياتها.
ومن المؤكد أن القادة العسكريين للدول الكبرى المعنية بالحرب في شمال مالي وخصوصاً الفرنسيين يعرفون كل الحقائق التي تحذر من عواقب التدخل العسكري الوخيمة ومع ذلك فهم مصممون على الخيار العسكري وتفضيله على كل الحلول الأخرى ما يجعل العديد من المحللين يستنتجون أن فرنسا تستهدف الجزائر من خلال هذه الحرب عبر دفعها للمشاركة بها لتحقيق أهداف عديدة منها إضعاف جيشها بإغراقه في المستنقع المالي،فإضعاف الجيش الجزائري غاية إسرائيلية وكثيراً ما تكلمت عنه الصحافة الإسرائيلية معتبرة إياه جيشا عدواً، وإضعافه يخدم أجندات معينة معدة من سنوات للمنطقة العربية كما يخدم مصالح أطراف لها ارتباطات مع الكيان الصهيوني.
يقول بعض الخبراء العسكريين: إن حرب شمال مالي تتطلب بتعداد 3500 فرد مبلغا يقدر بحوالي مليار دولار لسنة 2013 وحدها ولأن هذه الحرب ستتوسع وتطول فتستهلك المليارات من الدولارات وإذا عرفنا أن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا كلها تمر بأزمة اقتصادية وأن أميركا منغمسة في حرب أفغانستان وأن لهذه الدول رأياً عاماً يرفض تحمل تكاليف حرب تقع على بعد الآلاف من الكيلومترات،عندما نعرف كل هذا ندرك أسباب تعدد زيارات مسؤوليهم إلى الجزائر لجرها لحرب بالوكالة تقع معظم نفقاتها وتبعاتها عليها.