يستطيع شرطي المرور أن يعدّ لكَ عشرين مخالفة في مركبتك وأنت تظنّ وتعتقد أنك نظامي مئة بالمئة، ويستطيع أي شخص أن يعدّ مئة خطأ أو عثرة في العقود الأربعة الماضية من عمر سورية ولكن ثمة منطقاً يجب أن نأخذ به ونتعاطى مع مدلولاته حتى لا ننزلق كما البعض القليل إلى مستنقع الأحكام المسبقة الصنع..
من التقاعس إلى الفساد الأكبر وما بينهما من رشاوى وربما تآمر وغير ذلك يستنتج البعض ما يرتكز عليه في حكمه السلبي على الفترة الماضية ويتجاهل وهو العارف أن ما حققته سورية الحبيبة في العقود الأربعة /42 سنة/ من عمر الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد وتابع قيادتها السيد الرئيس بشار الأسد كان أكبر بكثير من كل الأخطاء التي حصلت في مسيرة هذه العقود ولأن هذه الحركة هي فعل إنساني فمن الطبيعي أن ترافقها بعض الأخطاء..
لا نقف هنا أمام سلطان أو ملك لنغدقه المدح تكسّباً ولكننا ندافع عن تاريخنا ولا نسمح لأحد أن يلوثه أو يسرقه، وسنوات الحركة التصحيحية المباركة نقلت سورية من حال إلى حال وأصبحنا بظلّها كلنا سادة أحراراً، فالمدرسة ليست متوفرة للجميع وحسب بل هي إلزامية للجميع إلى مرحلة معينة، والجامعة ليست متاحة للجميع وحسب بل وهي شبه مجانية حتى لا تقف خارج أسوارها أحلام الفقراء، وفرص العمل لم تفرّق بين فقير وغني إلا عند بعض الممارسات الخاطئة والتي نعيد نسبها إلى عمل الإنسان الذي لا يخلو من الخطأ دائماً..
يكفي الحركة التصحيحية فخراً أنها وضعت سورية في مصافي الدول المتطورة عالمياً وقفزت ببشرها وحجرها إلى حيث تقف الدول الكبيرة فكرّست الحياة المؤسساتية وكرّست حقيقة أن الوطن للجميع وأن لكل منّا دوره في بناء بلده وله حصة من خيرات بلده، هذه الحصة قبضها تعليماً وخدمات صحية وأراضي إصلاح زراعي ومساعدات وتسهيلات للمزارعين والفلاحين سواء في زراعة أراضيهم في تصريف إنتاجهم في دعم محاصيلهم.
هل انتهت مهمة حركة التصحيح برحيل صانعها وقائدها الراحل الخالد حافظ الأسد أم إن مثل هذه القيم الكبيرة تبقى وتستمر؟
أشجار الزيتون تتمسّك بخضرتها على مدار العام وعندما تتعب ورقة وتتساقط تعانق الضوء ورقة أخرى وهكذا هي سورية بتصحيحها المستمر وبتحديثها المتجدد وما من يوم يمرّ إلا ونطمئن فيه على حبيبتنا سورية وتزداد ثقتنا بقدرتها على التجدد والانبعاث من جديد لأنها كانت على الدوام متصالحة مع نفسها ومع أهلها ولأنها لم تعتمد يوماً إلا على الله وعلى حبّ ابنائها لها فزرعت وحصدت، وشيّدت وحصّنت، وبقيت منذ فجر التاريخ وستبقى لآخره منارة العالم المتمدن وبوصلة الحياة والألفة والمحبة والعيش المشترك لكل من شرب من مائها واغتسل بوهج شمسها.
لم تكن الحركة التصحيحية المباركة سياسة مرحلة تنتهي بانتهاء هذه المرحلة بل جاءت لتبقى نهجاً يقود السوريين لما فيه خيرهم ومصلحتهم وسيادتهم، ولهذا بقي السوريون أوفياء لها ولمن يحرس قيمها.