تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيروز رمز كرامتنا الذوقية

آراء
الخميس 15-11-2012
 حسين عبد الكريم

ليس سهلاً على أمة أن تنجب في زمن سابق واحد عبقريا مجنوناً... رؤى وأحلام كبرياء وكرامة ذاتية وبطولة كالمتنبي ...

وفي زمن قائم تنجب فيروزاً : الصوت الذي يؤلف في أذواقنا أمة وكرامة نابهة حسناء .. يهزم صورتها ضعفنا وعيوب الهمّ والغمّ.. ولايترك ضرائب الأسى متراكمة .. قدر ذوقنا المعاصر حصري الملكية لصالح مأمورية انحطاط لاتغيب عن أملاكها الشمس كامبراطوية الانكليز وسواها من الامبراطوريات الناهضة على الخراب والقتل والهدم...‏

صوت الـ فيروز حضارة تبني الآخر وتعينه على إرجاع ذوقه إلى جادة الكرامة بعد رحلة عذاب طويلة وتمرّغ طويل في أوحال الصراخ وحضارة الصعق العاطفي .. والسطو على مقدّرات الوجدان وثروات الضمير وباطن الأرض والعرض..‏

الإنسان بلا كرامة ذوقية كالأفعال الناقصة التي تحتاج خبراً ، وكالغابة التي تحتاج رعاة وحطابين ونواطير صباح وظهيرة... ماذا يتبقى من إنسان فقد كرامته وذوقه؟!‏

حشد كبير من الأصوات الهابطة على السمع والبصر كصخور الجبال المتعرضة للسيول الجارفة، هذا الحشد يزور الذوق كـ( الحرامية ذوي السوابق الإجرامية) يفتك بطمأنينة البال، ويروع الحال.‏

ويسرق المؤن والغلال.. وإذا وجد الأحلام على قيد السلامة العاطفية يصيبها بالقيح والتقيّؤ والسعال .. ومن كثرته يبقى ولايودّ الارتحال..‏

وحشد جسد الصارخات: (ياويلي .. ياليلي .. يافراقي.. وياغرامي.. وياصداحي ) حشد الجسد هذا أفتى بذبح التفضيلات الجمالية وألق النساء وضوء البهاء في الغزالات والظباء ... وحشد جسد بلا مقدمات وبلا انتهاء...‏

مع هذه الفجائع الطربية هل يمكن النماء والرجاء؟!‏

وحتى الرخاء الذي يعانيه الذوق في هذه الآونة هو رخاء هجومي وحطامي يقبل على( المرتخين) إقبالاً شرساً : يستلب القوة الحنونة والعطاء ، ويملأ فراغات الجسد والروح بما يتيسّر من حطام وافد وخراب راعد وراكد...‏

فيروز وشريكاتها وشركاؤها في إعمار الذوق وإنسانية الكرامة ورونق العزّ والأحلام .. عندهم خبرة ملء فراغات الجسد بالروح وملء فراغات الرّوح بأفراح الحواس (يضيفّون الذوق كرامة ناهدة كاعبة ( مزيونة) رشيقة الأنفة والقدّ أباً عن جد...‏

املأ الفراغات التالية بالكلمات المناسبة ..‏

صوت فيروز ووديع والشحرورة ومعهم فيروزات ووديعون وشحارير وشحرورات وحساسين وحسونات .. وشعراء وموهبات فاتنات وعبقريات فذّات .. عند هذا الفن يتمّ ملء الفراغات الوجدانية بالجماليات والكرامات الحسية والفنية المناسبة...‏

الذوق والكرامة ليسا حشو ذهن وحشو حواس كالأطعمة المعلبّة والأفكار المستنسخة والتأملات المتسخة ...‏

الغناء الذابل يعطي المشاعر اليباس.. والغناء الصارخ يصرخ في زمان الحبّ فيصرعه ويعوي في الحواس فيشطب من داخلها فرحة الهناء.. والغناء الاستجدائي ينبىء بـ (شحادين في حارات الفن والطرب والأغاني ) استجداء الحضور والإطلالة ولو على خشبة رعناء ورغبة سوداء...‏

والغناء الذي يودون تسميته بـ الوطني هو عبء على كاهل الذوقيات الوطنية ويسبب الجلطة للتأملات القومية ويوسخ القناعات بالحرائق المشتبه بها..‏

بينما المواهب والكلمات والغناءات والخبرات والأصوات التي أنعم عليها قدر العطاء برونق القرار والجواب والنداء وتبعد عن الإحساس الوباء ، وعن القلوب العناء.. وغناؤها الوطني وطن حسي وحضارة عطف ولقاء، وتعبيرات سخية بالهناء.. وقت كرامة الذوق الفني مخضوضر ويحضّ المحبين على الحبّ والناس على الانتماء ولايترك في مدى الأشواق الماثلة للعافية الذوقية مجالاً للاهتراء .. ولايهيّئ العواطف بين الأحباب والحبيبات للارتماء .. ذوق الفن من كرامة الإصغاء.. وعّزة الشعور بالحياة فنانة مقيّمة في كلّ نفس أهداها عيشها مكانة لائقة في البقاء صوت فيروز شريك أذواقنا في إعادة إعمار حضارة الإحساسات الراقية وشريك حنون في إعادة بسط نفوذ مافي دواخلنا من شرف وحرص جدير بالثقة على عناد نظافة تأملاتنا ..‏

الفن الجيد يحمي القناعة الجيدة من الاتساخ ويبقى يؤلف على مرّ الوقت شرفيات الكرامة الذوقية التي هي من كرامة الذوق الوطني وهو منها..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية