تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


طريق العودة من دمشق

عنTHE COUNTER PUNCH
دراسات
الاثنين 19-1-2015
ترجمة : حنان يوسف علي

عندما كنتُ في بي بي سي، كان لدينا مصدر يحاول أن يقول للعالم أجمع أن حكومة طوني بلير تخدع الشعب في وجود أدلة تفضي لغزو العراق.بعدها تم دفع الباحث ديفيد كيلي للانتحار. تحول الملايين إلى لاجئين، مصابين أو قتلى في العراق وحوله.

الصحفيون الذين مارسوا حريتهم في التعبير طردوا. وتمت إقالة رئيس بي بي سي.‏

عندما حاولت الغارديان كشف ماقام به إدوارد سنودن لضبط كل شخص في بريطانيا بالتنصت عليه من قبل أجهزة المخابرات، أرسل ديفيد كاميرون تحذيراً ليس لقتل المحرر : ألان راسبريدجر و إنما بتحطيم أجهزة الكومبيوتر في مقر الجريدة . و لاذ سنودن بالفرار الى موسكو بمعونة ويكيليكس.‏

العمل الدرامي الأخير للصحفيين الأمريكيين غاري ويب و ميشال كويستا «قتل الرسول»الذي حاول أن يفسر، كيفية تدمير الحياة المهنية للصحفيين الغربيين فيما لو حاولوا نشر قصص ضد الدولة. ويب نفسه انتحر بعدها.و بعد مقاله عن قائد القوات الغربية في أفغانستان. توفي مراسل رولينغ ستون مايكل هاستينغز بانفجارسيارته في لوس انجلوس .‏

لا يحتاج المرء لنظريات مؤامرة عنيفة لفهم مصدر الهجمات الأكثر خبثاً على حرية التعبير في الغرب هي تأتي من نظام الشركات الممولة للصحافة ، المعلنة القوية التي تمنع قضايا الحياة والموت الحقيقية من الوصول في أي وقت لوعي الناس العاديين في أوروبا الغربية. وكانت الثورة الفرنسية العظيمة هي التي تحدد مكان الحادث لخدمة مصالحها . إن أسوأ الحروب في تاريخ الحضارة العلمانية ، سببتها قيم التنوير الأوروبي - وليس الدين. إنه البحث عن الموارد والربح، ليس أمراً متعلقاً بمقتل فتاة بعشرة سنوات مربوطة بحزام ناسف من قبل بوكو حارام.‏

من السخف أن يحاول المعلقون الليبراليون إحياء «صراع الحضارات» في خطاب ما بعد باريس. يزعمون ضرورة التفوق للسماح بحرية التعبير، و دعم الصحافة. لكنهم كانوا هم أنفسهم الذين هتفوا في قصف حلف شمال الاطلسي للصحفيين في التلفزيون الصربي خلال الحرب على يوغسلافيا في عام 1999. وكان الهتاف ذاته حين تم قصفهم في التلفزيون الليبي في عام 2011. إنهم الذين يصفقون لحروب تقتل الصحفيين وأي شخص يقف في طريقهم .‏

الصحفيون في الغرب الذين قاتلوا لقول الحقيقة حول تدخلات العالم في القرنين العشرين و الواحد و العشرين في العالم النامي – و التي دمرت حياة المليارات – و كلنا نعرف ما كانت عليه: قتال ضد النظام، ضد القوة التي تهدد سبل معيشتك . و التي تسعى ليبقَ شيء واحد تخبرك به : «قلت لكم ذلك» مطلقة العنان لأحلام داعش بالانتقام و تنفيذ المزيد من الفظائع كالتي حدثت في باريس .‏

هل كان نوعاً من الانتحار استجابة وسائل الإعلام لمجزرة مجلة « تشارلي ابيدو». إنها لا تؤكد حقيقة أن الصحافة تتجاهل أن أسوأ المذابح في التاريخ وأن حروب العالم تنسبُ إلى العلمانية. و لكنها تظهر أن الصحفيين يبدون قلة انتباه لما يجب طرحه من أسئلة حول التنوير الأوروبي، ناهيك عن الثورة الفرنسية .‏

«حرية، مساواة،( إخاء)جمع الكثير من القلق إذاً من حرية نشر رسوم كاريكاتورية معادية للسامية أو كراهية الإسلام في مجلة شارلي ابيدو. وكانت الثورة أساساً تهدف لتحرر ثوري للمحرومين. الهجاء هدفَ ماري أنطوانيت، وليس سان- كولوتيس. إن ما يسمى الإرهاب على أيدي القديسين العلمانيين من أمثال :وروبسبير لا يقارن بشيء مما حدث من الإرهاب الذي تلا السلطة. من يدري أن تشهد ربع الألفية ، ارتفاعاً خطيراً للأصولية الدينية في أمريكا وتحول الشركات إلى آلهة في أوروبا؟ كان تشو-أون لاي، رئيس الوزراء الشيوعي الصيني الأول ، محقاً حين أشار لفترة 1789 و 1968 – قائلاً انه من السابق لاوانه اعطاء تقييم للأحداث في باريس .‏

الآن، ترافق الصحافة الغربية الفاسدة الأزمة الاقتصادية الغربية بأكملها. التقشف الشامل والخدمات المالية الفاسدة عملاقة ولكن لا حاجة منطقية لإصلاح كامل للمجتمع! وكانت الاستجابة لما تسمى حرية الصحافة في الكتابة والبث كما لو أنهم يحكمون تصنيفات الديون السيادية الوحيدة للحياة المدنية. تتوقف الصحافة عن أن تكون حرة عند مراكز النقاش السياسي السائدة في البلدان الغربية. ويظهر الصحفيون الغربيون أحراراً في مسألة المجتمع الذي يصوغه التجار لهم .‏

أما بالنسبة لتهمة ارتكاب جرائم حرب ، هناك الخوف من هجوم إرهابي من «الآخر». الخوف هو ما يستخدمه الصحفيون الغربيون «الأحرار» في التغطية العسكرية للناتو. والقيود أكبر من أي وقت مضى على حرية الصحافة في دول حلف شمال الاطلسي التي تمنع الصحفيين من التحدث عن النتائج الكارثية على « الآخر «.‏

تبدو التدخلات الخارجية على الساحة العالمية كما لو أنها هي تشنجات دول الموت العظمى. يمكن لأي قدر من الصراع الاجتماعي والاقتصادي في الداخل أن يمنع حكومات حلف شمال الاطلسي من إدراك التهديدات الوجودية العسكرية. يكرر الصحفيون الأكاذيب و ينسون التاريخ. يتم إعداد الحروب ضد القوى العظمى في القرن ال21. الناتو يمارس ألعاب الحرب لشن هجمات على الصين - وبطبيعة الحال، روسيا. الصحافة الغربية اللاهثة دعماً للمعارضة الأوكرانية ، بحيث يُنظر إلى جميع التطورات من خلال منظور التوسع الروسي، وليس بدافع التدخل من قبل حلف شمال الاطلسي. إنها مجرد مواقف ضد روسيا والصين والهند. أفريقيا وأمريكا اللاتينية. إنها لعبة بانت دلائلها : منطقة واحدة - تهيمن، كما حدث قبل الإسلام.‏

قوى حلف شمال الاطلسي تتطلب صحافة «حرة» وهمية من مختزل- الصحفيين الذين يكرورن ما تسرب إليهم. ويمكن أن تكون ليست سوى ملفات وهمية، وأما عن الخطوط الحمراء و أسلحة الدمار الشامل يبقى الأمر كله في سياق سوء فهم أساسي للعالم ما بعد 1789‏

يبرر الصحفيون الفظائع الإسرائيلية. أما رساموا الكاريكاتير الفلسطينين لا يعول عليهم لأنهم يتعرضون للاضطهاد. انهم ينظرون في الاتجاه الآخر كما هو حال المقاتلين من أجل الحرية التي تهدد حقول النفط في شرق المملكة العربية السعودية. لايتحدث الإعلام أن السعودية هي المصدر المالي لتمويل الاسلاميين. في هذه الدوامة الرئيس هولاند يسلح المتمردين الاسلاميين ليقاتلوا العلماني :الرئيس السوري . و هم قتلة تشارلي ابيدو.‏

في الطريق إلى دمشق، ضريبة تدفعها باريس ، مثل دافعي الضرائب في بريطانيا وأمريكا، و هي ذاتها عادت بهم أولئك الذين ارتكبوا فظائع العالم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية