تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نصيحـــــة مـــــــن أجـــــــل ورقــــــة النعــــــــوة

ثقافة
الاثنين 19-1-2015
مصطفى علوش

حالة غريبة تصيب الناس، أو قسماً منهم، ألا وهي الضحك أثناء العزاء، حالة تحتاج إلى قراءة من الفلاسفة والعلماء الذين اشتغلوا على تفسير الفكاهة وعوامل الضحك في الثقافات المختلفة، لا بل هم بحاجة إلى دراسة هذا العنوان «الضحك والموت».

ربما عبر الضحك أثناء مراسم العزاء يبتكر الناس احتيالاً إنسانياً على الموت، فيضحكون، لا بل يخترعون مواقف طريفة في لحظات الحزن الصارم، فتراهم يخبئون وجوههم بأيديهم محاولين قدر الإمكان أن لا يفقدوا الموت وقاره الاجتماعي.‏‏

أحد أقاربنا، وكان فيه من العقل الكثير، ومع ذلك من حوله ممن يدعون العقل قالوا عنه: «مجنون» كان لا يترك عزاء في البلد وقراه دون زيارة شخصية، وأيام العز التي تمتعت بها الـ خمس ليرات، كان يقبل من أهل المتوفى خمس ليرات حسنة عن روح المرحوم، ولكن مع الغلاء وفقدان الخمس ليرات هيبتها المالية والمادية، رفع حضرته السعر إلى عشر ليرات كحد أدنى ليقول لأهل المتوفى: «الله يرحمو»، و إذا أعطوه خمس ليرات بدل العشرة كان يقول لهم معزّياً «دايمة»، وما إن يسمع الناس منه كلمة «دايمة» بدلاً من «الله يرحمو» حتى يضحكوا.‏‏

هذا الذي أطلق عليه العقلاء «مجنون» كان ينتج ضحكة في لحظات الحزن، هي أهم من كل هذا الوجوم المصطنع الذي كان يمثله قسم كبير من الناس وهم يقومون بمراسم العزاء، لا بل إن تناقل مواقفه الطريفة كان يأخذ حيّزاً زمانياً من حياة الناس اليومية أكثر من أخبار المجموعات الشعرية الرديئة التي يطبعها هواة الثرثرة.‏‏

ومن أمتع ما نقله الأدب الساخر حيث توفيت زوجة أحد أصدقاء ايليا بيشكوف في حادث سيارة، وكان بيشكوف يعرف أن الزوجين لم يكونا على وفاق في حياتهما، فلما جاءه صديقه زوج المتوفية لصياغة «ورقة النعوة» قال له بيشكوف: ابدأها بعبارة و «أخيراً».‏‏

أما صديقي العتيق «أبو عبدو» وهو من أجمل الساخرين والظرفاء، وهو يكره سيرة الموت، أيام شبابه سهر عند زميله وصديقه «خضر العبد الله» الذي يقع منزله في الحي الشمالي، بينما يقع بيت «أبو عبدو» في الحي الغربي، وخرج من السهرة حوالي الساعة 11 ليلاً وكانت الدنيا شتاء، أثناء سيره وجد نفسه يقطع المقبرة في ذلك الحي، وذلك من أجل اختصار الطريق، صمت مطبق يلف المكان، لا أصوات بشرية أو غير بشرية، في هذه الأثناء بدأ الخوف يمشي في عروقه وهو يمشي بين القبور.. خطوات سريعة خائفة، ترقب، في هذه الأثناء يرى أبو عبدو قبراً ترابياً وقد نكش طرفه، هنا بدأ يتخيل الميت وقد خرج من القبر.. رآه أمامه من خوفه، شعر بالرعب فأعاده لداخل القبر.. يتابع سيره يصل إلى منتصف المقبرة، وهو في هذه اللحظات يدوس في بطن كلب نائم، فينبح الكلب من وجعه بأعلى ما تستطيعه حباله ويهرب مبتعداً، أما صديقنا فيبدأ بالركض الهيستيري، قافزاً بكل ما أوتي من قوة.. وخلال دقائق يصل لمنزل أهله، وقد جعله الخوف عدّاءً من طراز فريد.‏‏

ومن تراث النكتة، أن شخصاً نحيلاً توفي شقيقه، فجاءت الناس تعزيه، وما كان من أحد الظرفاء إلا أن قال له تعليقاً على ضعفه ونحوله الشديد: «من المتوفى أنت أم شقيقك؟».‏‏

وأزعم أن الضحك يحرك قوتنا البشرية أمام الموت الرهيب الذي ينتظرنا جميعاً في لحظة قادمة من الحياة، وعبر الفكاهة ننسى رعب الموت، ونضحك على ضعفنا فنقوى أمامه وهو الجبار المخيف.‏‏

M3alouche@hotmail.com ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية