وعاجزون عن التعبير عما يريدون، ما جعلهم غير قادرين على رفض أي طلب أو أمر أو سلوك يملى عليهم حتى ولو كان سلبياً، وهنا مكمن الخطورة التي يتوجب على الأهل الانتباه إليه والمسارعة إلى معالجته نظرا لخطورته المستقبلية على سلوك وتصرفات ذلك الطفل الذي سيصبح في يوم من الأيام شاباً و رجلاً ورب أسرة.
طفلي ظل لزميله ..
السيدة أم كرم الحمد ( ربة منزل )تقول إن طفلها البالغ من العمر 6 سنوات يقوم باتباع كل ما يمليه عليه زميله في الصف وهو يمشي خلفه في باحة المدرسة وينفذ كل ما يطلبه منه ، مشيرة إلى ضعف بنية طفلها أمام ضخامة بنية زميله التي يتبعه العديد من أقرانه في الصف وينفذون ما يطلب منهم دون مناقشة أو اعتراض ومنهم ابني تقول أم كرم.
بدورها المعلمة ربا رزق قالت إنها تلاحظ انتشار ظاهرة التبعية عند العديد من التلاميذ وبشكل مفرط وأعمى أحياناً ، حيث تلاحظ بعض التلاميذ يركضون خلف تلميذ معين يقودهم في كل حركاتهم وسكناتهم ويفرض عليهم الألعاب التي يجب عليهم أن يلعبوها دون أي مناقشة أو اعتراض من أي أحد منهم .
التضييق المستمر ..
يتصف الطفل التبعي بالخجل والتردد وعدم الثقة في النفس، وهذا من شأنه يؤدي إلى بعثرة طاقاته الفكرية، وتشتت إمكاناته الإبداعية وقدراته العقلية، كما يتصف الطفل «التبعي» بقلة التفاعل الاجتماعي مع من حوله، ويكون لديه شعور دائم بالخوف والتردد والقلق، والارتباك في المواقف الاتصالية والاجتماعية بالآخرين.
ويؤكد علماء التربية أن سبب تلك الظاهرة (التبعية عند الطفل ) يعود بشكل رئيس إلى بعض الممارسات والسلوكيات الأسرية الخاطئة من قبل الأهل والتي تتجلى بالتضييق المستمر والمفرط على الطفل داخل المنزل من خلال سيل كبير من الأوامر والنواهي بالإضافة إلى النقد المستمر المترافق مع التهديد والوعيد الذي من شأنه أن يخلق في نفس الطفل مجموعة مختلطة من مشاعر الخوف والجبن، الأمر الذي يدفعه إلى حالة من السكون والمهادنة السلبية مع رفاقه وأقرانه ، وهذا بدوره يصعب من عملية تكيفه مع محيطه الأسري والمدرسي والاجتماعي عموما ، فنجده عندئذ يوافق على كل شئ يطلب منه دون مناقشة أو أي اعتراض.
الدلال المفرط ..
فبعض الأسر تنتهج أسلوب القمع والترهيب فقط، والخطأ مرفوض من قبل الطفل ، فلا اعتدال ولاوسطية في التربية، وكأن الطفل المخطئ قد ارتكب جرماً لا يمكن معالجته، ولا النقاش فيه، وبهذا يتعود الطفل على تنفيذ الأوامر بدون تفكير، اعتقاداً منه أنه دائـماً في موقع الخطأ، فـيتقبل التوبيخ والسخرية من الأصدقاء، دون أن يملك حتى حق الدفاع عن نفـسه في المواقف التي تتطلب منه الـجرأة، والتي قد تؤثر فيما بعد على حـياته المستقبلية و التي تؤدي إلى تدمير روح القيادة عند الطفل، وهذه الأساليب من شأنها تربية الطفل على التبعية، وعدم الاعتماد على النفس.
ومن الأمور التي تساهم في خلق طفل منقاد وتبعي الدلال الزائد والمفرط من قبل الوالدين وخاصة في مرحلة ما قبل المدرسة والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج سلبية على شخصيته ويلعب دورا كبيرا في خضوع الطفل وليونته، وبالتالي ابتعاده عن جلسات النقاش والحوار لطرح رأيه اعتقادا منه أنه على صواب دائماً، وعندما يدخل المدرسة يُصدم بان أقرانه لا ينفذون كل ما يريده منهم ، فينفر أصدقاؤه من حوله، وقد يملون عليه بعض الشروط أو الأوامر إذا رغب باللعب معهم مرة أخرى، وهكذا إلى أن تتسلل إليه التبعية، فيميل إلى الانطوائية والعزلة، ظنا منه أن رغباته لا ينظر إليها، وقد تعود على تنفيذ كل ما يريد بسهولة ويسر.
تعزيز روح القيادة ..
ومن الأمور التي يجب على الأهل اتباعها للحد من ظاهرة التبعية عند أطفالهم غرس القيم النبيلة والسمات الجيدة وتأصيلها لدى أطفالنا منذ نعومة أظفارهم ، ومن هذه السمات وأهمها روح القيادة والاستقلالية والاعتماد على النفس، والابتعاد قدر الإمكان عن تقييد حرية الطفل وعدم نهره و زجره لأي سبب كان، واستبدال أساليب التشديد والعقاب بأساليب التعزيز والترغيب والحب والحنان والإطراء والمدح، والثناء عليه مهما كان انجازه بسيطاً أو قليلاً ، لان من شأن ذلك أن يزيد من ثقته بنفسه، ما يجعله طفلا قادراً على التفاعل مع أقرانه، سواء في الحي أو في المدرسة، بعيداً عن الاستسلام لرغباتهم و أوامرهم.
ويجب على الأهل الانتباه إلى أهمية تنمية مهارات الاتصال لدى أطفالهم في سن مبكرة من خلال التواصل والحوار بين الطفل وأسرته، وتعزيز كل عمل إيجابي يقوم به، ذلك أن لغة الحوار بين الأهل والطفل مهمة جداً في تنمية شخصيته الطفل وتقويتها، ويكون ذلك عبر الاستماع إلى رأيه و وجهة نظرة، واحترامها حتى وإن كانت خاطئة، والجلوس معه لإقناعه بالرأي الصحيح، فالحوار الدائم مع الطفل ينمي لديه القدرة على التفاعل والتواصل الاجتماعي، ويساهم في تشكيل الشخصية القوية للطفل، ويرفع من معنوياته وثقته بنفسه، فيشعر بأنه شخص مهم و رأيه مسموع.