تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صباح الياسمين

إضاءات
الثلاثاء 13-1-2015
سعد القاسم

«صباح الياسمين.. صباح الغاردينيا» هو العنوان الذي اختاره الدكتور هزوان الوز لمجموعته القصصية الصادرة حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب، وهو عنوان القصة الأخيرة فيها، الذي اقتطف مقطعاً منها للغلاف الأخير..

بين زهرتي الياسمين والغاردينيا الكثير من التشابه، ومنه اعتبارهما رمزاً للأمل، وهو هنا ذاك الأمل الذي لا يشيح بوجهه عن الحقيقة. ولا يتعلق بأوهام الركون، وإنما يصنع نفسه من الإرادة، والإيمان والتشبث، بما هو إنساني وجميل ونبيل، في تحدٍ شجاع لبشاعة زماننا وقهره وإحباطه. وربما يكون هذا هو الخط السري الذي يربط بين القصص الست للمجموعة المتسمة أساساً ببراعتها في التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة لأبطالها، على اختلاف أشخاصهم، وهمومهم، ووقائع حياتهم..‏

يتجول المؤلف باقتدار في العوالم الداخلية لشخصياته، من المبدع المحاط بمن لا يمتلك القدرة على تفهم الإبداع، لكنه يمتلك القرار إلى البؤساء الذين يرتضون أقسى ظروف العمل لأجل تحقيق أحلام صغيرة، لكن قد ترتبط بها الحياة كلها. إلى من غُدر بنقائه فبحث عن خلاصه بمعرفةٍ باهظة الثمن. إلى العذبة الروح تتحطم إنسانيتها على قسوة اللامبالاة. إلى المربي المتنور يفقد أحلامه وحياته بيد الجهل المتطرف. إلى العاشقة المتيمة لا يبقى لها من أمنية إلا استمرار قلب من تحب بالخفقان..‏

مع ما سبق لا يمكن القول إن التشاؤم يرخي بظلاله على قصص المجموعة، ولا التفاؤل، إنما هي الحياة -بكل ما فيها من ألم وأمل- هي من يفعل ذلك. فليس في القصص جنوح إلى ما هو خيالي، أو أسطوري، إنما هي صور من واقع معيش، بعضه نعرفه، وبعضه نألفه، وبعضه جديد علينا، لكنها جميعاً مما يتقبل العقل حدوثها, أو يعرف ما يشبهها. والمختلف هو براعة الكاتب في التقاطها، كما في التقاط المشاعر والأحاسيس، و في التقاط تمايز لغة الأشخاص، تبعاً لتمايز ثقافاتهم ومعارفهم ومجتمعاتهم، فكل منهم يحكي بأسلوب تفكيره، ومفرداته المعتادة المنسجمة مع حقيقته. فيما المؤلف يصوغ تلك (اللغات) جميعاً في مسار أسلوب أدبي رشيق وأنيق يتقن انتقاء المفردات والتعبيرات التي تمنحه القدرة على إيصال مقولته بسلاسة لا تستعرض مهارتها اللغوية، وفي الوقت ذاته لا تحرم نفسها من ابتكار تعبيرات جديدة، حين تكون تلك أكثر قدرة على وصف الحالة التي يريد تصويرها..‏

لا تفتقد المجموعة، رغم هذا، الروح الساخرة، حتى وإن جاءت في حالة تهكم سوداوي على التناقض بين ما هو ممنى، وما هو حاصل. و تظهر هذه الروح برشاقة واقعية في الأحاديث المتبادلة بين عمال المطبعة، لكنها تبلغ حدتها الأشد في حكاية المعلم الفنان الذي يقدم، تحت وطأة الخجل، لوحته التجريدية لتعرض في معرض نقابته، وهو يعلم في قرار نفسه أن لا من ينظم المعرض، ولا من يرعاه يعرف معنى وأهمية ما يبدع، لتجيء الأحداث بسخريتها الكئيبة وتؤكد صحة قناعاته، فينكفئ إلى لوحته واعداً إياها بأن يحميها من أمثال هؤلاء.. لكن سواء امتلكت القصص روحاً ساخرة، أم روحاً مأساوية، فإن نافذة الأمل تبقى مفتوحة، حتى لو كانت الرقبة تحت سكين القاتل، أو كان العاشق المصاب قد ترك الياسمين والغاردينيا على قارعة الطريق..‏

في ختام تقديمه للمجموعة يقول الدكتور نضال الصالح: «.. فما سبق ليس دراسة نقدية لهذه المجموعة، بقدر ما هو تحية لمبدعها الذي يقدّم، عبرهاإلى المكتبة القصصية ما هو جدير بالقراءة، وربما يمكنُ عدّه، بكثير من الاطمئنان، إضافة إلى منجزه القصصيّ من جهة، وإلى التجربة القصصية السورية من جهة ثانية.»‏

وهو محق بذلك تماماً..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية