وكم سراجاً أضأنا شهيدٌ فشهيد
لتشمخ هامةُ الألف بعد الياء.. الراء.. الواو
تُفرقنا الأشجار.. تعود تجمعنا الطريق
شقائق شمس.. وليكن
للخلود عشبة.. وراءها هالة (شين) الشهيد
تلك كانت إحدى شهقات القصيدة للشاعرة نصرة إبراهيم من أحدث مجموعاتها الشعرية «قال الشهيد» الصادرة مؤخراً عن دار الغانم، وكانت إبراهيم قد أصدرت ثلاث مجموعات شعرية بين عامي (2009، و2013) جميعها عن دار بعل بدمشق هي: «وكان حباً، بين فصلين، ومشهد افتراضي».
وفي نتاج هذه الشاعرة لابد أن يلفت قارئ هذه النتاج الشعري أضمومةٌ من الملامح أو الإشارات تُفصل للقصائد فساتينها الخاصة، وتُعطيها زيّها اللافت، ولعلّ أهم تلك الملامح هي هذه الحالة السرد المكتنز، سرد مجتمع وممتلئ داخل النص الكبير الذي يقع ضمنه بما يمكن أن يحوي من أفكار وتأويلات، تستدرجه نصرة من حقول إبداعية أخرى إلى «بيت القصيد» ولأنه يأتي من حقول التأمل يعني إن باستطاعته خلق تنوع في تأويلاته وانزياحاته الأمر الذي يُوفر للنص أكثر من قراءة تزيد في ثرائه، ومن هنا ستفارق نصرة الكثير من مجايليها الشعراء بالابتعاد عن القصيدة الومضة إلا قليلاً، أقول إلا قليلاً، لأن الشاعرة تدخل معترك «الومضة» غير أنها تصرُّ على أن لاتقدمها منفردة كما جرت العادة في المجموعات الصادرة حديثاً، وإنما تُقدمها ضمن مجموعات وكأنها تخشى عليها من الضياع في فراغ البياض، تكتب عناوينها «رسائل» مرةً كما في مجموعة «مشهد افتراضي» ومجموعة «بين فصلين» أو تعنون ب «ترنيمة أخيرة» مرةً أخرى كما في مجموعة «وكان حباً» أو «قصائد غير متصلة» كما في مجموعة «قال الشهيد» الأمر الذي يوحي وكأنّ الشاعرة نصرة تتهيب أو تخشى بياض الصفحة، هكذا نصرة تسعى في قصيدتها لأن تُزين كامل البياض بكامل جماليات القصيدة.
لا أفتحُ الباب للنهار.. إن لم يحمل لي معه صوتك
كلّ الذين شاهدوني قالوا:
البنفسج يتمايل على وجهي عشقاً
في تأملاتها الإنسانية تأخذ هذا المنحى الإنساني وتحديداً الجانب التراجيدي منه، ومع ذلك تلتقطه بكامل الوعي بحيث لاتسمح لهذه التراجيدية أن تأخذها صوب هاوية اليأس، وإنما ستفتش في كلّ زوايا الحياة لتُشير للنور القادم من آخر النفق، طالما ثمة مجال لأن يكتب الشاعر في زمن الخراب عن الحب فسينبت النرجس على السفوح، في كل هذه التأملات تعتمد الشاعر على لعبتها الأقرب لروحها هي «الصورة الشعرية» الصورة المشحونة بالحالة الوجدانية والعاطفية العالية.
في تجربة إبداعية تمتدُّ على مدى أربع مجموعات شعرية مكنت الشاعرة من قولها الشعري، تحاول نصرة أن تُضمن كل مجموعة شبه موضوع رئيسي يأخذ بأغلب المجموعة، أو على الأقل يكون موضوعها الأكثر تجلياً ووضوحاً على مجمل القصائد، فموضوعة «الحب» يكادُ يأخذ أكثر مجموعة «وكان حباً» فيما مجموعة «مشهد افتراضي» يغلب عليها موضوع الإنسان مطلق إنسان حتى إنها تُهدي الكتاب «لكل من ينتمي لحزب الإنسان» وأما مجموعة «بين فصلين» فتذهب بها صوب التأمل أكثر، والمجموعة الأحدث «قال الشهيد» تركز كما يشي العنوان على من كان شمعة لسورية طول مدة محنتها.
لطالما رأت الآخرين.. استعاروا قمصانه التي تُحب
ومضوا إلى نهاراتهم..لطالما حاولت معرفة عطره
اليوم بعد عمرٍ من النسيان.. أصابها الذهول
فالعطرُ الذي دوخها.. لم يكن سوى مسحوق غسيل
يكادُ «الحبيب» في كل قصائد نصرة إبراهيم، أن يكون «الغائب» الطاغي بحضوره، نتعرف على بعض ملامحه، أو نرسم له الشكل التقريبي من خلال تعالقه مع نبضات القصيدة.
في مجموعة «قال الشهيد» ستأخذ التجربة الشعرية منحى أقرب إلى الصوفية الشفيفية، هنا ثمة توشيحات، وكأن «الشهيد» أعجز اللغة من أن تصفه، هي توارب حيناً، تُقارب طوراً، تُساوق تارةً، أو تفعل كلّ ذلك معاً عسى اللغة تُشكل جمالية ما تُشبه قداسة هذا «الكائن» الأجمل في الكون، لدرجة إيكون هو صورة الله في قلوبنا..؟!! فلا شيء يليقُ بهذا الكائن القدسي غيرُ:
سين: السماء عالية.. لكن التراب ذهب
واو: ورود الحدائق مختلف المعنى
لكن الفكرة في قارورة الرائحة
راء: رئة النسر صغيرة
لكن هواء القمة فقط بمقاسها
ياء: يمين الشهيد بخمسة أصابع
والعين على زناد الضوء
ألف: أشواك الجهة المقابلة تُعاني من حمى الهزيمة
alraee67@gmail.com