تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محاضرة.. أطباء.. لكنهم أدباء..

ثقافة
الأحد 7-12-2014
فاتن دعبول

الجمع بين الطب والادب شعرا ونثرا موضوع قديم في التاريخ ومن يقلب سجل الادب العالمي والعربي تطالعه وجوه العشرات من المبدعين الذين جمعوا بين مهنتهم العملية وعطائهم الفكري،

كانوا اطباء وفي الوقت ذاته شعراء وروائيين ومسرحيين (جون كيتز، أوليفر جولد، ابراهام كولنز، حنين بن اسحق، ابن سينا، ابن زهر الاندلسي والقائمة تطول).‏

توقف الباحث محمد مروان مراد عند بعض النماذج من الادباء الذين ذاع صيتهم بالادب كما اشتهروا بالطب فتفوقوا على الصعيدين بشكل كبير، مستندا في ذلك إلى كتاب الباحث محمد عيد الخربوطلي في مؤلفه «الاطباء الادباء الشعراء» في محاضرة أقامها المركز الثقافي «أبورمانة».‏

فالدكتور جوزيف كلاس ابن الشام نال الدكتوراه في الطب البشري من جامعة دمشق وحصل في العام 1956 على شهادة في امراض القلب من جامعة باريس، برز محاضرا وباحثا اكاديميا ونال العديد من الاوسمة عن مسيرته المتميزة في ميدان الطب والفكر، ومن مؤلفاته (مسيرة الطب في الحضارات القديمة، القلب بين الطبيب والاديب، أناشيد من الفردوس المفقود...) ويعتبر واحدا من الاطباء القلائل العرب الذين استهواهم الادب والتاريخ، فجال في الميدانين فارسا، قدم العلاج كطبيب ناجح وأمتع قراءه وهويطوف بهم في جنبات التاريخ والحضارة والسياسة.‏

أما عبد السلام العجيلي المثقف القادم من الرقة، قضى عمره بين الطب والادب، بين عيادته ومضافة الاسرة وترحاله في ارجاء الدنيا، كان ادبه نابعا من التراث أولا وبيئة الفرات الغنية ثانيا، وهي التي اغنت ثقافته واسهمت في ابداعاته وفي غزارة انتاجه، فقد اغنى مكتبة الفكر بأكثرمن 40 مجموعة ادبية ترجم اكثرها إلى عشر لغات اجنبية ونشرت في الدوريات الادبية العربية والاجنبية، ومن اشهر مؤلفاته «بنت الساحرة، ساعة الملازم، قناديل اشبيليا، باسمة بين الدموع، وذكريات ايام السياسة...».‏

شغل مدينة حماة بشعره وأفكاره قرابة قرن من الزمن، حيث اجاد في الغزل وبرع في السخرية من كل شيء، هوالشاعر وجيه البارودي الذي حارب الجمود والادعياء، فقد كان الشعر هوالعلاقة الجميلة بينه وبين الحياة، كان سيد العشاق المتوج على مملكة الحب في شعره.‏

وضمن هذه الكوكبة لا بد أن نقف عند الدكتور ابراهيم ناجي الذي ولد في حي شبرا في القاهرة عام 1898وتخرج من كلية الطب في العام 1923 ونشر أولى قصائده «صخرة الملتقى» في جريدة السياسة الاسبوعية التي كان يشرف عليها الدكتور طه حسين وابراهيم المازني ومحمد حسين هيكل، انضم إلى جماعة أبوللوالشعرية في مصر وكان رئيسها أحمد شوقي.‏

أولى دواوينه بعنوان «وراء الغمام»، كان أقرب شاعر في جيله إلى الافكار الرومانسية التي اشاعها المجددون في مصر، وقد أغنى بقصائده مجلة الجماعة ونشر مترجماته من الشعر الاوروبي، وكان ناجي الشاعر الوحيد الذي أدرك جوهر الرومانسية كتيار متصل وحلقة في سلسلة الحركات التجديدية التي عرفتها ساحة العلم والفن في اوروبا، وكان من أوائل الشعراء الذين تابعوا حركة الشعر الاوروبي الحديث من أول الرومانسيين الانكليز إلى الرمزيين الفرنسيين إلى التصويريين الامريكيين إلى المستقبلين الروس، حتى مثل شعره تيارا جديدا على الشعر العربي الحديث.‏

استخدم في شعره قاموسا جديدا هوأقرب إلى لغة الحياة اليومية، كما أنه لجأ إلى القوافي المتعددة للوصول إلى أقصى درجات الصدق، فكانت القافية عنده جزءاً لايتجزأ من الصورة الشعرية، ومن شعره نقتطف:‏

هل رأى الحب سكارى مثلنا‏

كم بنينا من خيال حولنا.. ومشينا في طريق مقمر‏

تثب الفرحة فيه قبلنا.. وتطلعنا إلى أنجمه‏

فتهاوين وأصبحن لنا‏

وضحكنا ضحك طفلين معا.. وعدونا فسبقنا ظلنا‏

يبدوأن العلاقة بين الطب والادب علاقة تكاملية، فكلاهما يتعمق في النفس البشرية ويسبر اغوارها وان جار مبضع الطبيب الجراح فإن الادب يبلسم تلك الجراح، ويسموبالمشاعر الانسانية، فان يجمع الطبيب بين معالجته لمرضاه وبين الشعر والادب فهذا يشكل بحق انموذجا متكاملا للنفس البشرية، ومن يجمع بينهما يستحق بجدارة أن يكون نموذجا يحتذى في العطاء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية