منذ القدم كان له تأثير على الحياة الاجتماعية، هوأكثرالفنون ارتباطاً بالنسيج الاجتماعي، والأكثر تقرباً مما يجري في المجتمع من تبدلات وتغيرات على مختلف المستويات، يعبر عن رؤية الانسان وهمومه وتطلعاته، هوانعكاس للحياة الاجتماعية لأنه أحد مكونات الحياة الأساسية، إنه المسرح.
فما دور المسرح فيما يشهده مجتمعنا من تغيرات وتبدلات؟ وأي دور له فيما نعيشه من تفكيك للقيم والمبادىء التي تربينا عليها وعشناها منذ الأزل ؟
المسرح يساعد في إيقاظ الوعي عند الناس لرفض أي واقع لايعجبهم وتبديله بالأفضل حسب الحقوق المشروعة للإنسان، فإننا وفي ظل ما تعانيه بلداننا العربية من ظروف قاهرة وضغوطات دولية وحالات تشتت وتمزق كان للمسرح القومي مساهمات عديدة في نشر معان مختلفة عن الوطن والغربة والحرب، وبالرغم من أن الحركة داخل دمشق أصبحت في فترة من الزمن محدودة، إلا أن خشبة مسرحي الحمراء والقباني قدمتا ما يزيد على عشرين عرضاً مسرحياً، في ظل غياب المهرجانات المسرحية وعروضها العربية والأجنبية، واقتصار الإنتاج الخاص على عروض المسرح القومي وبعض العروض الخاصة التي تعد على الأصابع.
أبوالفنون لم يكن بمنأى عن هذه الأحداث التي تجري على ساحة وطننا الغالي، وبما أن فناني المسرح يتحملون مسؤولية أكثر من غيرهم في توعية المجتمع وتنويره، فقد قدم المسرح القومي العديد من العروض المسرحية التي حملت في معظمها معاني انسانية.
«كلهم أبنائي»
فمسرحية «كلهم أبنائي» قدمها المخرج المسرحي مأمون الخطيب، للكاتب الأمريكي آرثر ميلر، صحيح أن هذا الكاتب لا يمت للواقع السوري بصلة لكن الإعداد الذي قام به الدكتور عصمت جعله قريباً من البيئة السورية، حيث يتحدث العرض عن جشع وطمع أحد تجار قطع السلاح على حساب العائلة والمجتمع والوطن دون الاهتمام بالقيم الإنسانية أوحتى التفكير بالمسؤولية، لكن في النهاية يدفع المخطئ ثمن أخطائه ليفقد ابنه بسبب أفعاله. يؤكد على إبراز مفهوم الوطن من خلال مفردات تاجر السلاح يقوم بتزويد جيش بلاده بقطع كاسدة لسلاح الطيران ما يتسبب بموت 21 طياراً ليقع في نهاية الأمر أمام مساءلة أخلاقية تضعه وجهاً لوجه مع ابنه الثاني كريس الذي يتساءل بدوره عن مصير أخيه لاري المفقود في الحرب بعد أن تدور الشكوك حول نهاية حياته بسبب صفقة الأسلحة الفاسدة التي يتعهدها أبوه من مصنعه الخاص، ويخاطب أبوه قائلاً: «ماذا أنت بحق الجحيم ؟ إنك لست كالحيوان، حتى الحيوان لا يقتل أبناءه، ماذا أنت ماذا علي أن أفعل تجاهك ؟ علي أن أقاطعك ماذا يجب أن أفعل؟».
وقدم العرض أيضاً فكرة قلق العالم من تزايد الهيمنة الأمريكية على الكثير من المعاني الانسانية كحب الأسرة والتضحية ليقدم العرض في النهاية سيطرة رؤوس الأموال الغربية على ضمير الإنسان تحت عناوين المصلحة والابتزاز ولتدفع شخصية الأب في العرض للإقدام على الانتحار بعد أن يقرأ رسالة ابنه الغائب التي تثبت أن فساده ورغبته الشرهة في امتلاك المال كانت سبباً في قتله. وكذلك قدم العرض حالة تأثير الحرب على الاسرة وأن الانسان ينتمي الى وطن والاسرة الى وطن وعلى الجميع التفكير بمصلحة الوطن قبل أي شيء، قدم العرض في الشهر الأخير من عام 2011.
«في بار بشارع الحمرا»
في ظل الأزمة الحالية التي يمر بها وطننا حدث تغير في حياة المواطن السوري فالكثير من ذهب الى لبنان خوفاً من الحرب وهروباً مما يجري وكان هذا موضوع مسرحية (في بار بشارع الحمرا) تأليف واخراج الفنان كفاح الخوص، التي عرضت على خشبة مسرح القباني بدمشق، حيث قدم باراً كائناً في شارع «الحمرا» يعمل به مجموعة من الشبان السوريين. مرر من خلال العرض فكرته عن علاقة السوريين بلبنان اليوم، حيث يركز العرض على المعاناة العاطفية للسوري في لبنان المتمثلة بحنينه لبلده، لم يتبنَ أي فكرة سياسية بل اتخذ من الحياد السياسي منطلقاً لعرض وقدم حالة ذكرى وحنين على أيام السلم في الشام من دون طرح عميق لما يجري على أرض.
«حكاية بلاد ما فيها موت»
مسرحية للفنان كفاح الخوص تناول فيها مجموعة من المفردات عن الحرب وأسبابها ونتائجها، وأحد أسوأ النتائج في الحرب هوالموت. وتقول الحكاية: إن شخصاً تعرض في الحرب إلى انفجار أثّر في سمعه، ونظراً لكثرة ما رآه من موت حوله، بدأ يعاني من فكرة الموت، فقرر الرجل المصاب بالهلوسة السمعية أن يرحل باحثاً عن بلاد لا موت فيها.
«المرود والمكحلة»
مسرحية ضد الطائفية: تأليف عدنان عودة، وإخراج عروة العربي، عرضت على مسرح الحمراء في دمشق، حيث جسدت المسرحية نصاً ملحمياً تعود أحداثه إلى عام1917، وتمتد على ثلاثة أجيال، حيث يروي قصة الطفل الأرمني كريكور الذي نجا من مذبحة الأرمن التي جرت قبل قرن من الزمن، يتبناه بائع متجول من الجزيرة السورية «الرقة» ليعيش ضمن العائلة العربية التي تربيه على عاداتها ويقع لاحقا في حب روزا الفتاة الشركسية فيقررا الزواج. واختار عدة شخوص المسرحية من خمس مناطق في سورية، تمتد من الجزيرة والفرات، مرورا بحمص وانتهاء بمدينة دمشق، ليشير بذلك الى هذا التناغم بين المحافظات السورية والذي هوالعمود الفقري في الحياة السورية.
«سيناريووحوار»
مسرحية من تأليف واخراج لؤي شانا، على خشبة المسرح القومي في اللاذقية، تحدثت المسرحية عن أهمية الحوار في حياة المجتمعات من خلال استحضار شخصيات تراثية من المسرح العالمي.
حيث قدم المخرج كما قال: أدق التفاصيل للشخصيات وحياتها اليومية التي تحدث الآن ضمن هذه الأزمة لإيصالها للجمهور، وهذا ما نشاهده في هذا العرض فأغلب الحضور خرج من المسرحية مقتنعاً أن الحوارهوالحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة في سورية، وما لفت نظري أيضاً هؤلاء الممثلين الشباب الصغار الذين كانت لهم لمسة سحرية في إيصال فكرة المخرج إلى ما انتهت إليه.
«أوروبا.. أمريكا.. خط جديد»
مسرحية من إعداد واخراج دانيال الخطيب تعرض الآن في صالة سعد الله ونوس في طرطوس، ويستمر العرض المسرحي حتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
إن هذه الإشارة السريعة إلى حال مسرحنا القومي اليوم هي خير دليل أن أبا الفنون ما زال حياً على خشبات مسرحنا العريق بالرغم من الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، لذلك سيبقى المسرح أبوالفنون ونأمل من المسرحيين لفت الانتباه الى ما يهدد مجتمعاتنا العربية وهدفه الوحيد تدمير حضارتنا وإعاقة تقدمنا وتطورنا عبر نزاعات لاتخدم إلا عدونا الواحد..