عندما يكون الحبّ غير ذلك فإنه لا يعنينا، وعندما يصل إلى هذه المرتبة السامية سنصالح أنفسنا مع كل ما هو حولها وأولى هذه المصالحات ستكون مع الذات، لتُفتَح النوافذ بعدها على كل شيء..
ذات صباح باكر، في مكان ما من مدينة طرطوس تجمّع العشرات من الشباب السوريين المؤمنية بالله وببلدهم باللباس الميداني ينتظرون الحافلة التي ستقلّهم إلى مكان خدمتهم، كان معظمهم منشغلاً بالحديث الخليوي مع من يحب من أهل وعشيقات وما إن يفرغ أحدهم من الحديث حتى ترتسم على خدّيه حمرةً مجبولةً بالعنفوان، وها قد وصلت الحافلة وبصوت كله قوة وثقة “ يا الله يا شباب.. قولوا يا رب” فرددنا خلفهم: يا ربّ!
هذا هو الحبّ الحقيقي، هذا الحبّ الطاهر الذي يدفعك أن تترك خلف ظهرك من عشتض العمرَ كله معتقداً أنه هو الأغلى لكن في ساعة الحقيقة تكتشف أن الوطن لا يدخل في أي مقارنة ولا يشبه حبّه أي حبّ..
هذا هو الحبّ الذي يشبه المطر تماماً، يبعث الحياة من جديد ويطرّزها بكل ما هو جميل، ويدفعنا للجلوس خلف نوافذ نترقّب من خلالها عودتهم سالمين غانمين منصورين بإذن الله..
أما المعشوقة سورية التي منحتهم كل هذا الجمال فتستحقّ منّا أكثر مما نقدّمه بكثير، تستحق أن نعتقد مؤمنين أن عدم رمي ورقة أو بقايا علبة سجائر أو اي شيء آخر في الطريق هو عمل وطني من أجل عيونها، وتستحقّ منّا أن نجهّز معاولنا وبذار قمحنا مهما طال انتظار المطر، وأن نزرع ما نحتاجه ولو على شرفة منزل لنعزز صمودها ونخفف عنها قدر ما نستطيع من أعباء تدبّر أمورنا..
هكذا نحبّ ولن نغيّر طقوس حبّنا ومن أراد اتباع مذهبنا في الحبّ فهو منّا ومن حاد عنها فندعو الله أن يهديه سواء السبيل..