وخاصة في ظل افتقار القانون الدولي لتعريف محدد متفق عليه من قبل جميع أعضاء المنظمة الدولية على الرغم من تضمين القوانين الوطنية للعديد من الدول تعريفاً يتناول الإرهاب كظاهرة من وجهة نظر هذه الدولة أو تلك ، وهذا يفسح المجال أمام القوى الفاعلة على الساحة الدولية لجعل مضمون المصطلح مطاطياً يقبل التقلص والتمدد وفق المقاسات المتناسبة مع السياسة المعتمدة رسمياً .
والغريب أن بعض الدول التي رفعت شعار محاربة الإرهاب نجدها تعمل على دعمه في دولة ما ومحاربته في دولة أخرى ، مع أنه يرتكب الجرائم نفسها من قتل وترويع ومجازر يندى لها جبين الإنسانية ، وخير مثال على ذلك موقف واشنطن وبقية الغرب الأوروبي ولاسيما فرنسا من العصابات الإرهابية المسلحة والإعلان الرسمي عن تقديم الدعم لها في سورية ، ومحاربتها في مالي وأفغانستان وغيرهما، وهذه المعايير المزدوجة لا تستطيع طمس الحقيقة ولا توزيع شهادات حسن سلوك على الإرهاب في هذه الدولة ووصمه بالمعتدل في دولة أخرى، فالإرهاب مرفوض بكل أشكاله ومسمياته وهو متناقض جملة وتفصيلاً مع ميثاق المنظمة الدولية وأعراف المجتمع الإنساني، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل استطاعت الجهود الاستخباراتية المكثفة والتنسيق العالي بين أطراف التآمر والعدوان على سورية أن تخفي حقيقة الإرهاب الممنهج الذي تم تصنيعه وتصديره لتفتيت الدولة السورية؟ وكيف استطاعت مخابر الميدان في سورية تعرية الإرهاب على حقيقته الإجرامية ، وأن تثبت عجزه عن تحقيق أهداف مصنعية بفضل بطولات الجيش العربي السوري وتكامل دور الجيش مع الشعب والقيادة التي جعلت من سورية قطب الرحى في كل ما تشهده المنطقة من أحداث ؟.
لم يكن يخطر ببال المتآمرين على سورية أن كل ما حشدوه من إمكانيات مادية وعسكرية وسياسية واقتصادية ودبلوماسية سيتحطم على صخرة الصمود السوري، وأن الإرهاب الذي تمت رعايته وتبنيه وإعادة إنتاجه سيظهر على حقيقته النتنة في مختبرات سورية الميدانية المنتشرة على امتداد الجغرافيا السورية ، ومرة ثانية يخطئ رعاة الإرهاب في حساباتهم المبنية على أن طول أمد الحرب المفتوحة سيصيب المختبرات الميدانية بأعطاب لا يمكن اكتشافها إلا بعد فوات الأوان، لكن النتائج أسفرت عن قدرات إضافية راكمها المقاتل السوري والمواطن السوري على ما لديه ، فأكسب المختبرات السورية قيمة مضافة سرَّعت في تفكيك كيمياء الإرهاب المُصَدَّر وفَصْلِ مكوناته الأولية عن بقية المواد التي تساعد على إحداث التفاعل المطلوب، وقد استطاع الجيش العربي السوري أن يبدع في استثمار تلك القيمة المضافة بشكل عملي عبر التعامل بمنتهى المهنية والحرفية في تعطيل قدرة الجسد الإرهابي على الفعل والتأثير، وشلِّ تلك القدرة في الأماكن التي وصلتها قبل تشغيل المختبرات الميدانية، وهذا ما ألزم المايسترو الأمريكي على التشكيك بحساباته وإعادتها قبل فوات الأوان.
من الطبيعي أن تنطلق حسابات قائد الأوركسترا الأمريكي من القياس على التجارب السابقة والدروس المستخلصة لقدرة الإرهاب الممنهج على الفعل والتأثير، لكن بيادر القَتَلَةِ جاءتْ مخيبةً لآمالهم ومتناقضة مع حسابات حقولهم، وتبين أن القياسَ المعتمدَ قياسٌ فاسدٌ لأنه لم يأخذ بالحسبان خصوصية الدولة السورية والمجتمع السوري الذي لا تنفع معه غريزة القطيع، ولا يمكن أخذه ولا مصادرة قراره بالاعتماد على مبدأ الصدمة والترويع، كما لا يمكن لبعض فتاوى الفتنة والتكفير أن تغير قناعاته وفهمه الصحيح للدين الحنيف، وقد تكفَّلت القامات الدينية السورية الباسقة بدحض تلك البدع والفتاوى التكفيرية، وإثبات أنها متناقضة جملة وتفصيلاً ـ ليس فقط مع الدين الإسلامي- وإنما مع جميع الأديان السماوية، وأن الواجب الشرعي والوطني والأخلاقي والإنساني يتطلب التصدي لها وتفنيدها وقول كلمة الحق وإن كان الثمن المطلوب دفعه للقيام بهذا الواجب هو التضحية بالنفس وبفلذات الأكباد دفاعاً عن الدين وعن الوطن بآن معاً، وفي الوقت نفسه تكفلت فعاليات المجتمع السوري ومؤسسات الدولة بمواجهة أعاصير الشر إعلامياً وسياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، والبناء على الأداء المميز لرجال الجيش العربي السوري، وبذل الجهود المكثفة لمواكبة إنجازاته الميدانية وفق الإمكانيات المتاحة.
تفسُّخ الجسد الإرهابي
يدرك كل متابع منصف أن الجيش العربي السوري اعتمد مبدأ التدرج في المواجهة المفتوحة، حيث تم امتصاص الضربات الأولى واستيعاب هجوم أطراف التآمر والعدوان والحرب على الدولة السورية، وبمنتهى الثقة والكفاءة تم الانتقال من الدفاع السلبي إلى الدفاع الإيجابي فالهجوم المدروس في الزمان والمكان المناسبين وبتكتيكات مدروسة خاصة بكل معركة ما أفقد العصابات الإرهابية المسلحة القدرة على تنفيذ المهام المرسومة لها، وما إن بدأت ملامح الحسم الميداني الأكيد تلوح في الأفق حتى بدأت مكونات الجسد الإرهابي بالتفسخ والانحلال، وبيَّنت نتائج التحليل الذي أجراه طبيب الميدان المقاتل السوري أن جينات أولئك القتلة ليست سورية ولا علاقة تربطها بأي مقوم من مقومات الانتماء للوطن، بل هي جينات هجينة إسرائيلية - وهابية - قاعدية يتلاقى حملتها تحت عنوان الإرهاب ويختلفون ويتقاتلون على اقتسام المسروقات والاستئثار بالنفوذ الآني في هذه المنطقة أو تلك، ولا شك أن تعدد المرجعيات وتضارب الأجندات جراء الإخفاق الميداني قد ساهم في افتضاح حقيقة أولئك المرتزقة على اختلاف تسمياتهم، فهم إرهابيون بامتياز، وقد عجزوا مجتمعين مع أسيادهم عن الإمساك بزمام المبادرة التي كانت وما تزال وستبقى بيد الجيش العربي السوري تكتيكياً واستراتيجياً، ويمكن باختصار تلخيص أهم ما أفرزته مخابر الميدان السورية بما يلي:
1- جميع العصابات الإرهابية المسلحة أدوات تنفيذية مأجورة في المشروع الصهيو ـ أمريكي الذي يستهدف المنطقة برمتها.
2- مكونات الجسد الإرهابي تتباين في القدرة على الإجرام وارتكاب المجازر، وجميعها تمتهن القتل والتمثيل والترويع والتخريب.
3- الميلشيات الصهيونية التي أسموها «الجيش الحر» هي أضعف مكونات الجسد الإرهابي، والقسم الأكبر منها التحق ب»جبهة النصرة» أو ب»داعش»، وما شابههما من تنظيمات تكفيرية مسلحة تدور جميعها في فلك القاعدة وفكرها الوهابي الإرهابي الخارج على إرادة المجتمع الدولي.
4- امتداد أمد الحرب المفتوحة على الدولة السورية منذ عامين وسبعة أشهر أدخل جميع مكونات الجسد الإرهابي في المخابر الميدانية المنتشرة على امتداد الجغرافيا السورية، وقد جاءت النتائج لتؤكد عجز أولئك جميعاً عن تحقيق أي إنجاز عسكري يمكن البناء عليه.
5- الفترة الزمنية الممتدة بين انتشار العصابات المسلحة وبين دخولها إلى مخابر الجيش الميدانية كانت كفيلة بانفضاض «الحاضنة» الشعبية التي تم تكوينها بالتضليل حيناً والترهيب حيناً آخر، وقد ساهم إجرام أولئك القتلة بسرعة تحول تلك البيئة من بيئة حاضنة بالإكراه إلى بيئة نابذة بالضرورة.
ما تبقى من عصابات مسلحة لم تعد قادرة على التواصل ولا على إنجاز أي تقدم ميداني، وكل ما تستطيع فعله هو الاستمرار بإطلاق قذائف الهاون والصواريخ المهربة أو محلية الصنع بشكل عشوائي على الأحياء السكنية، واستهداف بعض المنشآت العامة والمؤسسات والساحات العامة المكتظة بالناس بعبوات ناسفة أو متفجرات تخلف الدمار والموت، إلا أن مثل هذه الأفعال لا تغير موازين القوى القائمة، ولا تؤثر على نتيجة المواجهة التي أصبحت محسومة لصالح الجيش العربي السوري.