من خلال إغداق الأسلحة والأموال والمعلومات على المجموعات الإرهابية المسلحة، حيث لم يكونوا يتصورون أن شعب سورية وجيشها قادران على الصمود أمام الضغوط الهائلة.
منذ أن لاحت في الأفق نهايات العام الماضي إمكانية عقد مؤتمر دولي لحل الأزمة في سورية، كثر الحديث عن استدارة أميركية يرافقها تصعيد بحق سورية، تهدف واشنطن من خلاله إلى تحسين شروط تفاوضها مع القطب الروسي بشأن عدة ملفات في المنطقة، وبالفعل بدأ التصعيد، وبرزت عدة جوانب جديدة في هذه الحرب المعلنة على سورية كان أبرزها ثلاثة تطورات ملحوظة، تجلت بظهور «إسرائيل» على الساحة علانية، وكذلك فتح رواية السلاح الكيماوي عند استخدام العصابات المسلحة له، واتهام الجيش العربي السوري باستخدامه، وكان من اللافت انتقال التصريحات من ألسنة الوكلاء المتمثلة بمشيخات النفط والعثمانيين الجدد إلى أسيادهم في أميركا و«إسرائيل» وذلك من خلال إعلان الولايات المتحدة على نحو واضح ودون مواربة «تقديم مساعدة أكبر بشكل أو بآخر للمعارضة السورية» كما قال وزيرالخارجية الأميركية جون كيري معللاً القيام بذلك بهدف التمكن من الوصول إلى المؤتمر الدولي والتعامل مع انعدام التوازن على الأرض.
ولكن، هل استطاع هذا الدفق الهائل من التسليح أن يغير شيئاًعلى أرض الميدان العسكري؟ والجواب: بالتأكيد لا بل إن الجيش العربي السوري يحقق النجاح تلو الآخر، ويلحق بالمجموعات المسلحة خسائر فادحة بالأرواح والسلاح وأدوات إجرامهم، وبالتالي نستطيع القول إن الولايات المتحدة تريد أن تحقق (توازن أذى) وليس (توازن قوى) في الداخل السوري كماتدعي، وكلماطال أحد المعارك تضاعف هذا الأذى وازداد، وبالتالي فهي أي الولايات المتحدة لاتخسر شيئاً فهي تضعف الجيش السوري وتستنزف الاقتصاد السوري وهذا مايخدم ربيبتها «إسرائيل» كما أنها تتخلص من بعض مقاتلي (القاعدة) وجبهة النصرة وغيرهما من المنظمات المتطرفة الذين ربما لوظلوا أحياء لارتدوا على أميركا وأوروبا لينفذواعمليات إرهابية فيها، بمعنى آخر، أميركا، من خلال إدامة القتال في سورية تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد كما يقال.
بالمقابل، لم يُخفِ ما يسمى (ائتلاف المعارضة السورية في الخارج) وأدواته من مجموعات مسلحة تكفيرية معارضتهم لعقد المؤتمر الدولي لحل الأزمة في سورية.
قبل النجاحات الميدانية للجيش العربي السوري لأنه ببساطة يدعو إلى تسوية سياسية للأزمة في سورية على قاعدة جنيف -1-، والهدف من ذلك واضح، وهو أن هذا الائتلاف، ومن يقف وراءه إقليمياً وعربياً ودولياً يريدون إسقاط سورية قيادة ودولة ومؤسسات كي تصبح دولة تابعة لأميركا والغرب ونتصالح مع «إسرائيل» وتتخلى عن كل شيء اسمه مقاومة وممانعة، إلاأن الرهان على إسقاط سورية بالقوة العسكرية قد فشل.
وفي الحقيقة، فإن مشكلة المؤتمر الدولي لم تكن ناجمة عن الشروط التعجيزية، لما يسمى المعارضة، بل إن المشكلة ناجمة عن سببين اثنين، أولهما تفتت هذا الائتلاف وتشرذمه وخلافاته العميقة، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرته على اتخاذ قرار سياسي واحد في الوقت الذي تزداد فيه سورية تماسكاً وصموداً، شعباً وجيشاً، والسبب الثاني: هو وجود قوى راعية للائتلاف ترفض التسوية السياسية على قاعدة جنيف1، وتضع كل ثقلها المالي والعسكري لعرقلة المساعي لعقد هذا المؤتمر.
وكان من اللافت للنظر أن سورية قابلت هذا التشدد بشيء من المرونة، فهي لم تضع شروطاً مسبقة، مثلاً لم تشترط وقف أعمال المجموعات المسلحة على أراضيها أوأن تلقي سلاحها شرطاً للتفاوض معها، وهو لاشك تصرف سياسي حكيم ترك الأخطاء للخصوم ومن وراءهم.
بناء على ماتقدم يمكن القول: إن لعبة البحث عن ميزان قوى عسكري للوصول إلى حل سياسي تفاوضي لعبة قاتلة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، ومهلكة سياسية للحل نفسه، ذلك أنه حتى الشعور بتحسن الوضع العسكري للمجموعات المسلحة التي تغذى من الخارج بالسلاح والمال، يغريها بأوهام الحسم المسلح، ويجعلها لاتلتفت إلى شيء اسمه الحل السياسي، وخاصة أن قادة وعناصر هذه المجموعات معظمهم من المجرمين وأصحاب السوابق وهواة القتل والإجرام، ولايهمهم إلا المال، بمعنى أنهم ليسوا أصحاب قضيةأو هدف نبيل كمايدعون، وهناتلتقي مصالح هذه المجموعات مع مصالح أميركا وحلفائها وعملائها بإدامة الأزمة لإلحاق الأذى بالطرفين.
باختصار، لايمكن التوصل إلى تسوية إلا مع الامتناع عن المراهنة على خيار الحسم العسكري الذي لايزال يراود أميركا وأتباعها، وحتى الامتناع عن أكذوبة تغيير الواقع العسكري على الأرض يهدف إلى تحقيق المزيد من المكاسب في أثناء عملية التفاوض إذا بدأت.