تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تجتمــع عندها المعاييــر.. والمســــــتقبل لهــــــا

ثقافة
الاثنين 2-12-2013
 آنا عزيز الخضر

القراءة هو ذاك الفعل الذي ينقل الإنسان الفرد إلى عالم النور، ويحمل له كل ما من شأنه أن يأخذه إلى النضج الفكري والعقلي والتحلي بشخصية متوازنة، وقادرة على أن تساهم في بناء عالم جميل بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، هذا ماتعنيه للفرد،

فماذا تعنيه بالنسبة للمجتمع..؟وماذا يعني في حال كان هذا الفعل مهملا..؟فكيف ينعكس ذلك على المجتمع ككل.؟ وإذا ما تساءلنا عن مشهد القراءة، عن حاله، عن تراجعه، عن معوقات تقدمه وترسيخه، وعن تبعات إهماله، وعن مستقبله، فإننا ندرك وجود أسباب كثيرة، ونرى أن الجواب يحمل في طياته الكثير من الصعوبات والتي ترتبط بمعطيات أخرى تتعلق بالمشهد الثقافي ككل، كما هو بالمجتمع وبيئاته المختلفة، والآراء حول هذا الجانب تؤكد ذلك:‏

• الأستاذ محمود عبد الواحد قال:‏

الحديث عن مستقبل القراءة كبير ومتشعب، ومن الصعب الإحاطة به في هذه العجالة. لأن ثمة مشاكل عديدة مرتبطة به. مثلا نسبة الأمية وارتفاع مستوى المعيشة ومدى قدرة المناهج المدرسية على تطوير وترسيخ عادة القراءة.. الخ. ولا ننسى أيضا أن القراءة ليست فعلا بسيطا: تعطي لشخص كتابا فيقره. وإنما هي مبنية على إرث اجتماعي وعائلي وتحتاج إلى وقت طويل لتنميتها وتأصيلها.‏

المشهد الكلاسيكي الذي نراه في وسائل نقل البلدان المتطورة لأناس يركزون وجوههم وعيونهم على الكتب المفتوحة أمامهم، مشهد عمره ليس عشرات وإنما مئات السنين. الآن ثمة صعوبة جديدة تواجه صناعة الكتاب الورقي، وأعني بها الكتاب الإلكتروني وبقية وسائل الاتصال والمعلومات السمعية البصرية. تدفق المعلومات بهذا الشكل المستمر والغزير، لا يترك فسحة من الوقت للبحث عن معرفة ما عبر الكتب. إضافة إلى ذلك السهولة التي تتيحها وسائل الاتصال الحالية لدى البحث عن أي معلومة. ينبغي أن نتأقلم مع هذا الواقع الجديد، ونكيف أنفسنا للعمل ضمن شروطه المفروضة علينا. لم يعد لدى أحد الرغبة أو القدرة على قراءة كتب سميكة. الإنسان الجاد المعاصر يبني معرفته استنادا إلى ما لا يحصى من القصاصات المعلوماتية التي يجمعها معا، إضافة إلى الدراسة التخصصية، تشكل المضمون المعرفي لدماغ أي شخص معاصر لنا. معاصرون كثر الآن لايذهبون إلى المكتبة من أجل جمع المراجع لبحوثهم، وإنما يلجؤون إلى الانترنت ومحركات البحث المعروفة. أشياء كثيرة تغيرت في العقدين الأخيرين من عمر البشرية وينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار لدى وضع أي خطة ثقافية معرفية للمستقبل.‏

بلغة أخرى يمكننا القول إن مستقبل القراءة متوقف على مستقبل الكتابة، وكيف سيعبر إنسان المستقبل عن نفسه. إذا تأملنا ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت نرى أن العديد من الأشخاص يجمعون في المقالة الواحدة بين النص المكتوب والقطعة الموسيقية والفيديو والصور والرسوم الكاريكاتورية. هذا شكل جديد للتعبير لم يكن مألوفا من قبل، والقراءة الموازية له أصبحت تجمع في ذاتها، إلى جانب فعل القراءة نفسه، بأفعال الاستماع والمشاهدة، مضافا إليها القدرة على إبداء الرأي فيما هو معروض.‏

لقد خطت البشرية خطوة جبارة من القراءة كفعل تلق سلبي، إلى القراءة التفاعلية التي تتيح لنا تأييد أو نقض أو تصحيح ما نقرؤه. ثمة موسوعات على الانترنت (يوكيبيديا مثلا) تعتمد بالكامل على مساهمة مستخدمي الموقع، وتطلب من زوارها تدقيق وتنقيح المواد المنشورة فيها.‏

كذلك نلاحظ في طريقة التأليف المعاصر شيئا اسمه النص المتشعب، الذي يقودك عبر نمط معين من النصوص المرمزة بطريقة خاصة من فكرة أو معلومة محددة إلى ما لا ينتهي من أفكار.‏

المستقبل برأيي سيعزز من أهمية القراءة بكافة أشكالها، التقليدية والإلكترونية، لأن صاحب أي مهنة، إذا أراد لنفسه أن يتقدم ويتطور في مهنته فهو مضطر للترويج لنفسه عبر طرق التعبير الحديثة، التي لن يمكنه الولوج إليها ما لم يكن مسلحا بكل أدوات الكتابة والقراءة المعاصرة. وستعني الأمية قريبا أن من لايجيد القراءة والكتابة سيكون محكوما عليه بالموت المهني، وبأن يكون في الدرك الأسفل من سوق العمل.‏

من هنا، إذا أردنا رفع مستوى القراءة لدى مواطنينا، علينا الاهتمام بتطوير وسائل التعبير الحديثة وأدواتها وبنيتها التحتية. وينبغي أن يبدأ هذا من مقاعد الدراسة ودور الحضانة.‏

من هنا تتعاظم التحذيرات حول تبعات إهمال القراءة، فهذه الحالة من جهة أخرى، تقدم قراءات لواقع مجتمع عليه أن يمتلك ميزة القراءة، خصوصا بحضور تيارات إعلامية تسعى إلى هدم القيم والمبادئ، ثم هيمنة قيم استهلاكية ومادية، وتغليب مفاهيم يوجهها السعي وراء المادة فقط، وكل ذالك من شأنه أن ينعكس على الثقافة العامة والحقيقية منها، وينعكس بالتالي على المجتمع وتطوره إلى الأمام، وقد اجتمعت الدعوات جميعها قديمها كما حديثها عند ضرورة العمل بجدية على إرساء أساليب القراءة كسلوك يومي والعمل على نشر الكتاب والمكتبات وإعطاء المثقف دورا ومساحة اكبر، كي يتاح له التأثير الفعال، وهذه مسؤولية كبرى، تقع على عاتق الجميع، كما أن الانطلاقة تتطلب استراتيجية شامله، تتشارك فيها مؤسسات المجتمع ومنظمات وهيئات ومراكز ثقافية وجهات معنية كثيرة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية