تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


علاقة حميمية بين الإنسان والكتاب ما تزال..غربيـة الهـوى واللسـان.. عربيـة الإهمــال والنشــر

ثقافة
الاثنين 2-12-2013
 سجيع قرقماز

ما هي القراءة، وماذا تشمل، وهل تختلف من شخص ٍ إلى آخر، ما هو هدفها، ثم ما هو مستقبلها في ظل التطورات الحديثة المتعلقة بأداة القراءة، وهي الكتاب، أو بأسلوب القراءة من خلال ما توفره التقنيات الحديثة من وسائل متعددة ٍ لذلك.

تشمل القراءة كافة الموضوعات الدينية، الفكرية، الأدبية، الاجتماعية، المدرسية، والتسلية..لذلك يمكن القول ان الناس جميعا ً معنيون بالقراءة إلى حد ٍ أو آخر، ومعنيون بمدى توفرها، ونوعيتها، وبالتالي فإن المجتمع كله معني ٌ بهذا الموضوع الذي يلقى اليوم منافسة ً قوية ً من التقنيات الحديثة متمثلة ً بوسائل الاتصال وصفحات التواصل، التي تقدم كافة الخدمات التي كانت مقتصرة ً على الكتاب - ما عدا لذة أن تحمل كتابا ً بيدك، تشعر بكلماته وسطوره بين يديك، ويدخل الدفء إلى القلوب-.‏

القراءة بشكلها التقليدي معنية ٌ بالتخصص الذي كنا نراه في اهتمام كل فرد ٍ على حدة بالموضوع، ونحن عندما نقرأ كتابا ً ما لا نقف إزاءه في نفس الخندق لأن كلا ً منا معني ٌ بجانب ٍ معين ٍ من هذا الكتاب، وهذا ما أفسحت المجال أمامه، وما قدمته التقنيات الحديثة، لتؤثر أكثر على قبول المتابع لها، أكثر من متابعته للكتاب، فأنا عندما أريد مقطعا ً شعريا ً ما، لشاعر ٍ معين ٍ، فلا ضرورة أن أبحث لساعات ٍ في ديوان (شعراء الجاهلية) مثلا ً وأنا قادر ٌ أن أجد البيت نفسه خلال ثوان ٍ في البحث في إحدى وسائل الاتصال الإلكترونية، وهذا هو مستقبل العالم شئنا أم أبينا، لأننا نعيش في عصر ٍ اختلف عن العصور السابقة، عصر ٌ يقول عنه أحد المفكرين الفرنسيين أنه: «عصر الوشاية البصرية وعصر الصورة».‏

إذا هل يعني ذلك أننا يجب أن نبدأ بالتخلي عن الكتاب، عن الحرف والكلمة وتأثيرهما المباشر، ونتحول إلى عصر الصورة؟‏

الواقع حتى الآن يؤكد ذلك، لكن وبينما اتجه الغرب في السنوات السابقة إلى الاهتمام بالتقنيات الحديثة، وبمواقع التواصل والنشر الإلكترونية، فهو لم يفقد اهتمامه بالكتاب، وبالتالي بالقراءة وبالنشر، وفي الكثير من الإحصائيات نلحظ أن الغرب مازال مواظبا ً على النشر التقليدي، وعلى القراءة التقليدية، بل وعلى تطوير الكتاب وتحسينه، ليتناسب مع الذوق العام، ويلبي متطلبات القارئ الذي لم يخن الكتاب، ترى هل هذا ما يحدث عندنا ؟‏

في الإطار العام، وقبل المواجهة الإلكترونية للكتاب و القارئ، لم يكن وضع الكتاب ولا القارئ بأفضل مما هو عليه اليوم، فكيف اليوم (مع زيادة الفقر والحاجة وأولوية الغذاء والدواء والعيش بشكل ٍ عام) هل يبقى للكتاب مكان ٌ في واجهة البيت أو في ميزانية الأسرة، أم إن الأمور الأخرى هي الأهم، وهذا واقعيا ً ما يحدث، حتى لدى المؤسسات التعليمية والثقافية والفكرية، التي حولت اهتماماتها إلى أماكن ومواقع أخرى، مما جعل أهمية الكتاب في تدن ٍ وكذلك أهمية القراءة، وإذا كانت بعض الكتب الجيدة تطبع وتبيع ألف نسخة، أو خمسة آلاف نسخة في حدها الأعلى، فإننا اليوم لا نستطيع تحقيق هذه الأرقام بسبب الأوضاع غير الطبيعية التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية.‏

بالمقارنة فإننا نلحظ الاهتمام الدائم في شكل وتقنية وطبيعة نشر الكتاب، واهتمام المواطن الغربي به، لتصل نسخ الكتاب إلى أرقام فلكية ً بالنسبة لنا نحن العرب (نشرا ً وثمنا ً)، وهذا مؤشر ٌ على قدرة المواطن الغربي على شراء الكتاب، لتبقى العلاقة الحميمية اليوم بين الإنسان والكتاب غربية الهوى واللسان، عربية الإهمال والنشر.‏

والسؤال الإشكالي المهم جدا ً هو اليوم: ما هو مستقبل الكتاب، وما هو مستقبل القراءة ؟‏

دعونا نتابع رأيا ً غربيا ً بامتياز، ومن داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ترى الكاتبة الأمريكية (أليس لا بلانت) أن الكتب الإلكترونية في أميركا، ارتفعت بنسبة 100% ثم تراجعت إلى نحو 50%، وترى أن المشكلة ليست في من سيبقى ومن سيتراجع، بل لابد من حالة ٍ من التوازن بين الكتاب الإلكتروني والتقليدي، وكلاهما يكملان بعضهما، فمن يرغب في الكتاب الإلكتروني، خصوصاً الشباب والجيل الجديد، سيجده، ومن يرغب في الكتاب التقليدي، يلمسه ويعيره لصديق، وهو يتغنى بالإحساس الجميل بينما يلامس الورق يمكنه ذلك أيضا ً.‏

ليس المهم شكل الكتاب.. بل المهم أن نقرأ‏

وتؤكد (لا بلانت): «أن مبيعات الكتب في أميركا عام 2011 كانت لصالح الكتب الإلكترونية، التي كانت مبيعاتها أكثر من مبيعات الكتب التقليدية، وهذا طبيعي ٌووارد ٌ إلى حد كبير، لكن بالنتيجة ليس المهم شكل الكتاب، بل المهم أن نقرأ، وبالتالي لاداعي لأن نضع الكتاب الإلكتروني في مقابل الكتاب التقليدي أو نقيضه، خصوصاً أن هناك تدفقاً هائلاً في المعلومات، والمهم أن نقرأ».‏

ربما يأتي هذا الرأي المحايد بين الوسيلتين ليؤكد نقطة ً هامة ً جدا ً، وهي أهمية القراءة والحصول على المعلومة من أي مكان ٍ في العالم، وبأي شكل ٍ، على مبدأ «اطلب العلم ولو في الصين «، ربما هناك فرق ٌ في العاطفة والتعامل لكن لا فرق علمي ٍ أو موضوعي ٍ من أين نحصل على الأدب والفن والعلم، لأن مجرد الحصول عليه هو الأولوية المطلوبة.‏

وهل يمكن الحفاظ على علاقة ٍ حميمية ٍ بين المواطن العربي والكتاب؟‏

يبدو أن: «من تريد أن تغزل يمكن لها أن تغزل على دنب كلب كما كان أجدادنا يقولون».‏

وفيما لو كان الكتاب تقليديا ً أو إلكترونيا ً فإن القاريء العربي لن يختلف عليه شيء ٌ في هذا السياق.‏

مع ذلك.. فإن للكتاب الإلكتروني جوانبه الإیجابیة والسلبیة، من حيث الكلفة، والشراء، لأنه على الأغلب أقل كلفة ً في التقليدي، ومن حيث توفره، حيث سهلت التقنيات الحديثة ذلك، وكذلك من حيث طریقة شراء الكتاب، التي صارت سهلة ً جدا ً، ومن ثم هناك جانب إیجابي فیما یتعلق بالوزن، فلطالما شكلت الكتب حملاً ثقیلاً على طلاب المدارس، وهذا یعني أن أيا ً من الأجهزة الحديثة، خفيفة الوزن یمكنها احتواء كتب ٍ ودراسات كثيرة ً، ويوفر أيضا ً أدوات أخرى تسهل أداء الطالب لواجباته، وتسجیل ملاحظاته، لكن الناحية السلبية تبقى عندنا في أسعار هذه الأجهزة التي ما زالت مرتفعة حتى الآن.‏

من جهة ٍ أخرى فإنك إذا كنت قد بدأت في قراءة عدد من الكتب الورقیة وأردت مواصلة القراءة خلال رحلةٍ لك، فهذا یعني أن تحمل هذه الأوزان الثقیلة معك، بينما يمكنك الاستغناء عنها بحمل ٍ أقل ولو أقل حميمية..‏

عزيزي القاريء العربي‏

القراءة مستقبلك، والكتاب أملك لتزداد ثقافة ً ومعرفة ً في هذا العالم الكثير الاضطراب، وليكون الكتاب والقراءة، البوصلة الحقيقية لك في مواجهة قساوة هذا العالم عليك أنت بالتحديد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية