بل رئاسة الأوقاف الإسلامية (رغم معارضة المتعصبين)!!وجميل أن نفاخر بتاريخ كانت فيه المقامات والأضرحة الدينية مُصانة ومحترمة دونما حاجة لأية حراسة!!ولكن الأجمل أن نعترف أيضا أنه في ذاك الزمن، وكل الأزمان الإسلامية لم نكن نسمع بتنظيم القاعدة وأخواتها وفروعها من تنظيمات تتقاطع جميعها بذات الفكر والعقل التكفيري الذي يلغي الآخر بالمطلق، ممن يختلف معه بالرؤية أو العقيدة، ويبيح دمه وعرضه وماله !! ولو كان هذا الفكر الغريب عن الإسلام وقيمه وثقافته ومعانيه سائدا أيام المرحوم فارس الخوري( بدل الفكر الوطني والعروبي والقومي واليساري) لما تبقى في سورية لا خوري ولا كنيسة ولا ضريح ولا عالم دين إلا إن كان يحمل ثقافتهم!!
دعُونا لا نهزأ بعقول الناس حين مقاربة الأمور!! فالعقل التكفيري الذي تُغَذّي دمه وشرايينه حكومات ومؤسسات ومعاهد ومدارس ووسائل إعلام، ويدعمه مال وفير وغزير، هو المسؤول اليوم عن ضرب وإفساد التعايش في هذا المجتمع العربي والإسلامي أو ذاك ، وبين عموم المسلمين، بل بات خطرا على العالم، وإنْ ما تمّ القضاء على هذا الفكر فسيعود كل شيء إلى مجاريه كما كان بالماضي!! ورُبّ قائل إن الفكر التكفيري موجود منذ زمن طويل!! وهذا صحيح نظريا أما عمليا فكان من منسيات التاريخ ولم تكن خلفه روافع وحوامل وتنظيمات ومسلحين ومتفجرات وسيارات مفخخة، ولا مؤسسات وجِهات رسمية وأموال ضخمة وفضائيات تُرَوّج له وتُسَوّقه على مدار الساعة!! ولا أصحاب فضيلة وسماحة يُصْدرون الفتاوى بأسهل مما يأكلون التمر والرُطب في شهر رمضان، أو بأسهل مما يتزوجون ويُطلّقون من بنات بعمر حفيداتهم أو أصغر!! (أيْ كان كما الفتنة الغارقة بالنوم وجاء من يوقظها)!! فهل لدى الجميع، وخاصة ممن قذفتهم (غفلات) الزمان بالماضي إلى الأعلى، وما أكثرهم، وصَنَعتْ منهم وزراء وسفراء وأعضاء يرلمان وكانوا من كبار لاعقي الأحذية وكتبة التقارير،هل لدى أحدهم الجرأة للحديث علَنا عن مكان الينابيع الملوثة التي تضخ بهذا الفكر والثقافة؟؟ أم أن في فمهم (نفطاً كثيراً) فكيف ينطق من كان في فيه نفط؟! ومعذرة من المرحوم نزار قباني على تحريف بيته !!هذا الفكر الخطير لم يدمّر الأضرحة والمقامات والمساجد والكنائس ويقتل علماء ورجال الدين فقط، بل هو يُدمّر تراث وثقافة وتاريخ الإسلام،والعقل والعلم !! فالعلم بالنسبة للعقل التكفيري لا يجوز أن يرتقي فوق مستوى القراءة والكتابة التي تساعد فقط على معرفة الله ووحدانيته، وهذا يكفي!! وإن زاد عن ذلك فقد يُلهي المسلم عن ذِكر الله!! وهذا هو مفهومهم للعلم بالإسلام!ّ! ومن يُشكّك بهذا الكلام فليقرأ تصريحات أمرائهم !!
يقول شكري مصطفى مؤسس جماعة التكفير والهجرة في مصر ((العلم الوحيد الذي أجازه الله هو عبادته وحده سبحانه ، وأن ذرّة تعَلُم لغير هذه الغاية إنما هي خارجة عن العبودية لله.. والله أراد أن يختار خير أمّة أخرجت للناس ، أمّة أمّية ، وكان بمقدور الرسول بعد أن ثبتت له النبوّة أن يتعلم الكتابة والحساب لو كان في ذلك خير للعبادة والدين، بل لم نجد الرسول يفتتح الكتاتيب والمعاهد لتعليم المسلمين الكتابة والحساب، ولا خلفاؤه الراشدين من بعده، ولا القرآن ولا الرسول اهتموا بتعليم الفلكيات والطبيعيات والفلسفات والرياضيات..))وعن رأيه في الكتابة قال (( يُحرّم تعليم الكتابة في الجماعة المسلمة إلا بقدر الحاجة العملية الواقعية لما يتصل بالعبادة، وتعليم الكتابة الزائدة حرام ..))هذا الاعتقاد لـ شكري مصطفى يختزل الكثير من بنية هذا العقل التكفيري في كل مكان!! والأفغاني حكمتيار هو من قال (( الإسلام والديمقراطية لا يتوافقان .. والمرأة يجب أن تعود للبيت والملاوات للسلطة..))
والمُعيب أيضا تلك الشريحة التي تحسب نفسها على المثقفين بينما هي رديف للتكفيريين وتتقيأ الخطاب الطائفي ليل نهار، ولا تتقن سوى لغة البذاءة والتحريض والكذب والتلفيق والحقد الذي تجاوز حتى حدود المرض المزمن!! والمفارقة المضحكة أن مواقعهم لا تفوح منها إلا روائح الطائفية النتنة المُقزّزة وبذات الوقت يرمون بسهامهم على هذا وذاك متهمين إياه بالطائفية!! فهل هذا عقل سوي؟؟ يقول أبو الأسود الدؤلي: لا تنه عن خُلُق وتأتي مثله *عار عليك إذا فعلت عظيم!.
إن أعداء الإسلام لا يعنيهم إن أفنى المسلمون بعضهم بعضا ــ بل يسرّهم ذلك ـــ ولا يهمهم كيف تُصَلّي وكم مرّة في اليوم ، ولا كيف تصوم أو تفطر، ولا أن تصعد المنابر وتدعو عليهم بالسحق والمحق!! إن ما يهمهم أن تبقى متخلفا تابعا لهم لا تفقه بالعلم ولا تستطع الاعتماد على ذاتك وتبقى ثرواتك ملكا لهم وأسواقك مكانا لتصريف بضائعهم، وحينها فقط يكون العالم أكثر أمنا!!
فليْتَ (المتشاطرين) وإكراما لعيون سورية،وسورية فقط، يتحدثون بضرورة مواجهة العقل التكفيري ومنابعه والتوقف عن كل أشكال التحريض الطائفي والمذهبي البغيض لله ولرسوله (ص) ثم بعدها يتحدثون عن المتسببين في ضرب التعايش بالمجتمعات،مهما كانت أشكاله، وسنكون جميعا يدا واحدة وقبضة واحدة في مواجهتهم أيّاً كانوا ومن أي مشرب جاؤوا !! أما أن نقول نصف الحقيقة ونصمت فهذا أشبه بمن يقول (لا إله .. أو لا تقربوا الصلاة..) ثم يصمت!! البشرية لم تعرف في تاريخها عقلا خطيرا كما العقل التكفيري الذي تجاوز الاعتداء على البشر والحجر والشجر ليعتدي حتى على صلاحيات الله، وصادَرَ دَوْر الله وحقّه وحده في تحديد الكافر والمشرك والمؤمن،وقطَعَ الطريق أمام الله في محاسبة البشر في الدار الآخرة،وجعلوا من الدنيا دار الحساب وكأن الله بالنسبة لهم أصبح ضعيفا وعاجزا عن المحاسبة، أو تخلّى عن دوره فتولّوا هم دور الله، أو أحالوه على التقاعد لأنه بلا واسطة (واستغفر الله بكل ذلك)، فأي دين ،وأي إنسان يرضى بذلك؟؟
لقد جعل الغرب من تطور تكنولوجيا المعلومات والفضائيات نعمة للتواصل والتفاعل والتعاون بين شعوبه والتعرف على بعضها جيدا، بينما جعلناها نحن -العرب والمسلمين- وبالا علينا باستخدامها لنشر الكراهية والتعصب والتطرف!! والمشكلة ليست بالتطور بل بعقولنا العاجزة عن التطور وما زالت محكومة لدى الكثيرين بروح الجاهلية الأولى!! العقل الصغير لا يكبر ولكن يكبر به العُمْر فقط!!
كفى تنظيرا وثراء على حساب الدماء النازفة، ومن يعتقد واهما أن بإمكانه تقليد المرحوم فارس الخوري وزمانه، فليته أولا يذهب إلى أي مسجد حيث تسيطر جبهة النصرة أو داعش ويعتلي المنبر ويتحدث(وليس شرطا يوم جمعة كما فعل فارس الخوري في الجامع الأموي بدمشق) ويُطالبهم كغرباء بمغادرة سورية كما طلب فارس الخوري من الغريب الفرنسي، ويتركوا السوريين يحلّون مشاكلهم بأنفسهم، وإن خرج بعدها سليما مُعافى فسنعترف أن فارس الخوري قد بُعِث من جديد!! أما إن كانت هذه المهمة خطيرة ومستحيلة عليه، فالأفضل له أن يكتفي بمَلء جيبه مالا وفمه نفطا ويصمت، فذاك خير له إن كان يعقل!! جميعنا ننشد استعادة روح الوحدة الوطنية لسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو وفارس الخوري وإعلاء كلمة الوطن فوق كل شيء بعد الله، ولكن لنسأل أيضا: هل كان في زمنهم من يأكل لحم البشر ويقطع رؤوس أعدائه حتى لو كانوا من جنود المحتل الفرنسي ذاته؟ هل كان هناك من يقصف حي فارس الخوري بالقذائف؟ هل كان هناك من يملأ مؤخرته بالمتفجرات ويُنفّذ عملا انتحاريا ويقتل الأبرياء؟هل كانت هناك من تمارس الزنا باسم الجهاد؟ثقافة التكفير خطر على الجميع،ولا تُميّز،وعلى كل وطني وعروبي وغيور فعلا على الإسلام التصدّي لمن جاؤوا لبلادنا بهذه الثقافة الدخيلة التي شوَهت إسلامنا الحنيف وتاريخنا العربي والإسلامي، فضلا عن السوري!!ومن يتغاضى عن ذلك ويغمض عينيه، عليه أيضا أن يملأ جيبه مالا وفمه نفطا ويصمت فذاك خير له إن كان يعقل!!.