تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صراع بين جيلين أم بين نصين؟

ملحق ثقافي
11/8/2009م
فائزة داؤد

كيف ينظر الأدباء المخضرمون إلى نصوص أدباء الكتابة الجديدة ؟

سؤال يشغل بعض أصحاب النصوص الأدبية المكتوبة بأقلام أدباء أثبتوا حضورهم الأدبي بعد موجة الرواد بعقد ونصف وربما بعقدين , ويصف النقاد والمتابعون للشأن الأدبي هذه المرحلة الفاصلة بين المرحلتين بالفقيرة إبداعياً , فهي على حد تعبيرهم لم تكن بغنى وثراء مرحلة الرواد وهي أضحل إنتاجاً من مرحلة الأدباء الجدد بسبب قلة الأسماءاالتي تعاطت الأدب , وتوصف المرحلة الجديدة بالمتنوعة لأنها ضمت اتجاهات أدبية متعددة واحتضنت مراحل عمرية مختلفة , وعن فقر المرحلة الفاصلة بين الجيلين الأدبيين أطلقت آراء وتفسيرات متعددة من قبل الأكاديميين والنقاد بعضها حمَّل جهات فاعلة وزر فقر تلك المرحلة حيث استعمل تعبير )لم يكن مسموحاً ظهور جيل جديد من الكتاب بعد مرحلة الرواد الذين جندوا كتاباتهم ما أجل التهليل والتغني بمرحلة ثورية معبأة بالإيديولوجيات( , وأمام هؤلاء فتحت جميع الوسائل الإعلامية والمنابر الثقافية , ورأت الجهات الفاعلة أن السماح لجيل جديد أو السماح للزخم الأدبي بالتواصل والتتالي هو خيانة لأولئك الذين سخروا أقلامهم لمرحلة مهمة من عمر الإيديولوجية وخاصة فترة الحروب العربية الإسرائيلية الثلاث , فما كان منها إلا أن أغلقت بأيدي أدواتها جميع وسائلها ومنابرها أمام القادمين الجدد , وهؤلاء بعضهم تخلى عن مشروعه وآخرون أجلوه بانتظار الظرف الزمني والأدبي المناسبين .‏

أما الرأي الثاني فيتحدث عن تخبط وضياع عانى منه جيل ما بعد الرواد حيث وجد نفسه فريسة لحالة برزخية يتأرجح فيها بين صخب الإيديولوجيات التي لم تستطع منع حدوث النكسة وبين حلم تجاوزها من خلال نصوص أدبية جديدة لم تكتب لها الحياة , والرأي الثالث يحمِّل الرواد جزءاً من مسؤولية فقر المرحلة الفاصلة بينهم وبين أصحاب الكتابة الجديدة , هذه الظروف مجتمعة أدت إلى ظهور كتاب أنكروا تبعيتهم لجيل تجاهلهم ووضع حدوداً بينه وبينهم فراحوا يشتغلون على أنفسهم معتمدين في شغلهم على مدارس أدبية أجنبية ودليلهم في ذلك نصوص سحرية وإباحية وواقعية , وظهر ذلك واضحاً في أعمالهم الروائية حيث حاول بعضهم محاكاة كتابات الواقعية السحرية فيما اتجه آخرون إلى الكتابة الجنسية , ومن أصحاب الكتابة الجديدة كذلك خرجت نصوص تتميز بالأصالة رغم تأثرها بالمدارس الأدبية الآنفة الذكر , وأقدر أن أصحاب تلك النصوص استفادوا من قراءاتهم وعادوا إلى واقعهم ليخرجوه بلبوس جديد خال من الشعارات والإيديولوجيات وهؤلاء جميعاً أسميت نصوصهم ( الكتابة الجديدة ) .‏

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما مصير هذه الكتابات التي تبينت معالمها وأصبحت المتحدثة الرسمية باسم أصحابها وصار معروفاً لدى المتابعين من كتاب ونقاد هوية كل كاتب جديد واتجاهه الأدبي من خلال نصوصه , فذاك ( وهنا المقصود طبعاً الأديب والأديبة على حد سواء ) يوصف بأنه أحد كتاب غرف النوم وتلك أو ذاك يتبع اتجاه الكتابة الواقعية السحرية وآخر يكتب بطريقة الواقعية الجديدة .‏

لنضع السؤال في لبوس جديد : كيف تلقى الأدباء المخضرمون هكذا نصوص ؟ وكيف عاملوا أصحابها ؟ أطرح هذا السؤال لأنوه بأن الأدباء المخضرمين ما زالوا يمسكون بزمام الأدب إن كان من جهة الاعتراف بالكتاب الجدد أو من جهة السيطرة على مؤسساته ومنابره , فالاسم هو من يهب النص الحضور أو الغياب بغض النظر عن جودته أو تواضعه . لنقل أن آراء الأدباء المخضرمين تباينت بما يخص نصوص الأدباء الجدد فلم يخف قلة منهم إعجابه الشديد ببعض هذه النصوص وتمنوا ضمناً وصراحة لو أنهم أصحابها , ووصفوا قسماً منها بأنها تضيف روحاً جديدة للجسد الروائي السوري رغم انها لا تخضع لشروط العمل الروائي الأكاديمي , فاخترعوا لها اسم ( قفشة روائية ) . طبعاً لا يقلل هذا التوصيف من أهميتها بل على العكس فهو يؤكد أن جهود الأدباء الجدد قد أثمرت وبأن أعمالهم ستخصب سكونية الرواية السورية , ليس هذا فقط بل إن اهتمام الرواد بهكذا نصوص يؤكد أهمية الجديد رغم أن معظمهم أدار ظهره لأعمال المبدعين الجدد ونظروا إليها من أبراجهم العاجية مستخفين بها ومكتفين في الوقت ذاته بإدانة أصحاب الكتابة الجنسية ومغمضين أعينهم عن النصوص الأخرى التي تستحق أن يوقف عندها .‏

آراء الرواد الآنفة الذكر يضاف إليها رأي أقدر أنه تدخل في اعتماده جانبان اثنان وربما أكثر أولهما : العلاقات الشخصية وثانيهما الغايات اليعقوبية , وهذا الرأي يتسم بالمبالغة لدرجة أنه غالباً لا ينطبق على النص , فأحياناً يكون مجحفاً بحق النص وصاحبه وأحياناً يعطي النص وصاحبه إطراءً أكثر مما يستحقان بكثير , ورأي المبالغة هذا ذو الاتجاهين لا يمكن تجاهله ورفض اتجاهيه , بل يجب إضافته إلى آراء الأدباء المخضرمين , ولكن ماذا قدمت هذه الآراء للأدباء الجدد ؟ هل فتحت لهم الطرق المغلقة ؟ بمعنى آخر : هل دفعت القائمين على الشأن الثقافي إلى التخلص من سطوة الأسماء التي سيطرت عقوداً على المنابر الثقافية وشغلت خلالها وجوهها وأعمالها الإبداعية صفحات وزوايا الجرائد المحلية وكانت وما زالت المتحدثة الرسمية باسم الحركة الثقافية السورية .‏

هذه الأسئلة وغيرها تطرح في وقت يكثر فيه الطرفان من الشكوى والتظلم , حتى يخيل للمتابع لهذا السجال أن ثمة صراعاً سينشب بين الطرفين من أجل الفوز بملكية زاوية ما في جريدة محلية أو من أجل الظهور في وسيلة إعلامية أو الحصول على دعوة لحضور مؤتمر أدبي , وطبعاً أقدر أن السجال لا علاقة له بكل ما ذكرت وإن كان في بعض وجوهه يحمل شيئاً مما ذكرت فأرى أن الحكم الأساسي في هكذا سجال يجب أن يحسمه النص وليس الاسم وعندها سيكف الرواد عن الشكوى بأن الأدباء الجدد سحبوا البساط من تحت أقدامهم , وبالمقابل سيتوقف الأدباء الجدد عن اتهام الأدباء الرواد بالنرجسية والسذاجة والجشع .‏

أخيراً يجدر التنويه إلى أن اعتبار طقس الكتابة حالة نسك لا يلغي حاجة الناسك لمنبر يعلن على صفحته البيضاء نصه وإذا لم يجد فقد نغدو عما قريب أمام حالة نكوص ستؤدي إلى قحط جديد .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية