تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رسم مباشر أمام الجمهور في صالة السيد.. هاجـــس الاســـــتمرار.. وتأثيــــــرات الواقــــع المأســـــاوي

ثقافة
الاثنين 1-12-2014
أديب مخزوم

تشكل خطوة الرسم المباشر أمام الجمهور، التي أقيمت بمبادرة من السيدة إلهام باكير مديرة صالة السيد للفنون التشكيلية في دمشق، وشارك فيها أيمن فضة رضوان وربيع البعيني وعبد الله عبد السلام امتداداً لتجربة مماثلة أقامتها الصالة في منتصف عام 2005..

وظاهرة الرسم المباشر أمام الجمهور تعتبر خطوة هامة ومغايرة، وتستحق المتابعة والاهتمام والتقدير، لاسيما في هذه المرحلة المريرة، التي تركت تأثيرات واضحة على الأعمال المنجزة. فاللوحة تنطلق من عمق المعاناة والقلق، لتقول في حوار تعبيري أزلي: إن الحياة باقية وسط ذاكرة الأمكنة المصابة بالشحوب والسواد والقلق والتوتر والاضطراب.‏

هكذا تصبح اللوحة الفنية التشكيلية الحديثة، شبيهة بلحن موسيقي حزين، يخترق الأمكنة المفتوحة على ظلمة سواد دخان جحيم الحرائق، نحو الأمكنة الأكثر نورانية، في محاولة لإزالة آثار الكوارث والمجازر الممتدة في عمق حياتنا اليومية.‏

أيمن فضة رضوان وإنسيابية الخط‏

أثمرت تجربة أيمن فضة رضوان، عدة لوحات تركزت في موضوعاتها حول الوجوه والأجساد، ولقد رسمها أمام الجمهور، بكثير من الالفة والمحبة والفرح والسعادة، وذلك لأن له خبرة طويلة في الرسم المباشر والسريع أمام الجمهور داخل سورية وخارجها.‏

ولوحاته المعروضة التي أنجزها كعادته في فترة زمنية قصيرة، تطرح العديد من القضايا الجمالية والتقنية الحديثة، بقدر ماتكشف عن تموجات المشاعر الفنية والاحاسيس الداخلية، في خطوات بحثه عن إيقاعات تشكيلية معاصرة، كل ذلك بلغة تعبيرية بحتة، لاتقع في هاوية الخطاب التقريري والأدبي والسردي، وإنما تترك لأصداء الحوار التشكيلي البصري، البحث مساحة قصوى من الحرية التعبيرية والفنية.‏

وعلى الصعيد التشكيلي والتقني، ركز في لوحاته لإظهار حركة وليونة وانسيابية الخط السريع وتداخلاته، الذي يحدد حركة الاجساد المتداخلة والمتجاورة، وحين يغيب الخط تتحول العناصر في لوحات الوجوه، الى لمسات لونية يغلب عليها السواد، الذي تتخلله لمسات من النور، كأنه يريد أن يقول بأننا نتفاءل بالبياض الآتي بعد كل سواد.‏

وهذه الطروحات بإطارها الجمالي الحديث والمعاصر، تبرز قدرة العمل التعبيري على تحويل المساحة اللونية، إلى فسحة للحوار والتأمل والوصول إلى علاقة حقيقية مع الحياة الراهنة، بحيث يرضي العمل الفني كل النواحي، القائمة على التصادم الحركي، بين الإيقاعات اللونية المتنوعة على سطح اللوحة.‏

ربيع البعيني وحرائق المدن‏

أنجز ربيع البعيني في مواجهة الجمهور، مجموعة لوحات زيتية، حملت في بعض ايقاعاتها عناصرالعفوية والاختزال المشحون بعنف التوتر اليومي، وانكسارات الزمن الملتصق بأجواء الدمار وحرائق المدن والمعاناة، كأنه يريد أن يقول لنا:إن الفنان لا يمكن أن يبتعد عن ذاته، لأن العمل التشكيلي هو جزء أساسي من حياته، ولهذا لا يمكن وضع حدود بين التشكيل التعبيري الذي قدّمه والإحساس بأزمة القلق والتوتر والاضطراب.‏

هكذا تظهر تأثيرات الواقع المتفجر بشكل مباشر، في نسيج اللوحة من خلال الاشخاص وأجواء القلق واللمسات اللونية المتداخلة مع الإحساس الداخلي الانفعالي، الذي يقطف الإيقاع الخارجي المتغلغل في حركة حياتنا الراهنة، المشبعة بالصدمات والتوتر والعنف في أزمة الحروب المتواصلة أو المتعاقبة دون نهاية.‏

وهو بالرغم من اتجاهه أحياناً نحو الواقعية الحديثة أو الجديدة. ينحاز وبقوة في لوحات أخرى لإيجاد القوة الإيحائية لعناصر الجو اللوني التجريدي عبر اللمسات والحركات اللونية التلقائية والعفوية ومظاهر الغنائية البصرية وحركاتها الإيقاعية التي تبرز كألحان بصرية أو كمقطوعات موسيقية لونية، ومع ذلك نستطيع في بعض الأحيان ان نرى المزيد من الإشارات التعبيرية المنطلقة من المشهد، والتي تطلّ من خلال فسحات لوحته التجريدية، المتشكلة بمساحات لونية متجاورة.‏

وفي لوحات أخرى يستعرض تلك العلاقة الحميمية بين حضور إشارات الشكل وغيابه، وبين اللون الخافت الذي يشكّل الخلفية والوهج والسكون والحركة، ضمن هاجس إبراز التضاد بين الظلمة والنور، بينما تظهر لمساته اللونية المضاءة، وكأنها خطوة للتعبير عن فسحات الأمل في ديمومته الإيقاعية والغنائية. ومع معطيات لمساته العفوية المتحررة بدأت لوحاته (التي تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل) تتجه أكثر فأكثر نحو الرموز التي توحي بالتوتر والتصدع والاصطراع، في انحيازها الواضح لإبراز قلق حياتنا الراهنة وسط هذا الخراب والدمار والتوتر الذي يلف الواقع الحياتي الراهن. ورغم اتجاهه نحو التجريد في بعض لوحاته، فهو يبقى في بعضها الآخر، عند ضفاف الشكل، حيث يقترب من واقع لوني يشير في بعض الأحيان إلى حضور التعابير في ملامح الوجوه وتعابير العيون.‏

عبد الله عبد السلام والتجمعات الإنسانية‏

يتدرج عبد الله عبد السلام في معالجته للجماعة الإنسانية ما بين الوضوح والغياب، فعندما يكون في حالة انفعالية تأتي الخطوط سريعة ومتوترة، تختزل الصورة الواقعية في فضاء اللوحة، وتبرز الإشارات أو المدلولات التشكيلية المعبرة عن تموجات الحالة الداخلية الانفعالية. أما حين يكون في حالة هدوء، فإن أشكاله تقترب من ملامسة الواقع، وتصبح اللوحة أقرب إلى الصياغة التعبيرية.‏

وفي جزئيات لوحاته نلمس توجهه الاختزالي، فهو يصوغ أشكاله بخطوط وحركات لونية سريعة، كما يركز على الجانب التقني ليحصل على التشكيل الذي ظهر في مراحل سابقة، اثر تحوله من موضوعات الطبيعة والزهور والصياغة الواقعية، الى التشكيل التعبيري الذي يسجل من خلاله تداعيات الجماعات الإنسانية المضطربة والمتوترة والخارجة عن قيود إغراءات الصياغة التسجيلية.‏

هكذا تبدو المدلولات التعبيرية الإنسانية في لوحاته، ومظاهر التحوّل إلى أجواء اللمسة اللونية التعبيرية، في خطوات الوصول إلى تشكيل عفوي أكثر تحرراً وأشد انفعالية، في محاولة لقطف نبض الاختزال والتبسيط والتحوير.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية