اتفق معظمهم أن المثقف لا يعادي هذه اللعبة الشعبية المحبوبة, فهي فرصة للتفاعل الاجتماعي، ولو أن المشكلة الحقيقية تكمن في المبالغة بالحفاوة بنجومها على حساب مجالات العلم أو الفكر وغيرهم، وكذلك في توجيه ميزانية ضخمة لرعايتها وترك أولويات كثيرة متردية كالصحة والغذاء والتعليم.
وكان الشاعر الكبير محمود درويش الذي عرف عنه حبه للكرة يقول إنها «أشرف الحروب»، ووفقا لما يرويه عنه كتاب «المثقفون وكرة القدم» للكاتب الصحفي أشرف عبد الشافي أنه في إحدى لقاءات محمود درويش الشعرية بمدينة فاسن, تعجب من الحضور الكبير رغم وجود مباراة بين فرنسا وإسبانيا وقال للجمهور « أنا من جهتي أفضل متابعة المباراة, حتى ولو كان من سيجيء الأمسية هو المتنبي»!.
يرى الروائي فؤاد قنديل أن المثقف العربي بشكل عام لا يكره كرة القدم, وإن كان يكره المبالغات الإعلامية والضجيج والتفاهة التي كثيرا ما ترتبط بالكرة ونجومها، والتي يشارك في صنعها التلفزيون والصحافة. وعن علاقته بكرة القدم يقول قنديل إنه لاعب قديم ، مارس اللعبة في سن صغيرة ولعب لفريق «شباب بنها» ولا زال يتابع المباريات المهمة ويميل منذ خمسين سنة على الأقل للنادي الإسماعيلي، ويرى قنديل أن كرة القدم هي ثقافة ومتعة وتسلية وليست رياضة فقط، فلا يستطيع أحد أن يتحدث في الكرة إلا من له تجربة أو كان متابعا وقارئا, وعن الفريق الذي يشجعه قنديل في مونديال 2010 يقول: « سوف أشجع أي فريق عربي, وفي هذا العام الجزائر, ثم أي فريق إفريقي ثم فرق أمريكا اللاتينية، ولن أشجع بالطبع فريق أمريكا الشمالية لأنها من أهم أسباب خراب العالم» ! ، وعن الفريق الذي يتوقع فوزه بكأس العالم يرشح قنديل واحدا من المنتخبات الكبرى التالية: البرازيل، انكلترا، ألمانيا، والأرجنتين، مؤكدا ان هذا لا يمنع من صعود فرق مكافحة ومفاجئة لعشاق كرة القدم.
«كره المثقف العربي لكرة القدم قد يكون مرتبطا بفترة الحداثة» هكذا بدأ الروائي الشاب حمدي أبو جليل الزمالكاوي الصميم حديثه مع «محيط» مؤكدا أن هذه الفترة كانت تشهد تعاليا على ما يشغل البسطاء، وكانت تكرس لكل ما هو غامض، فالأدب كان غامضا وهكذا الشعر، وكان المبدع ينتقد إذا قدم إنتاجا مفهوما، وهي فترة يمثلها في مصر ادوارد الخراط، وفي العالم العربي أدونيس، وبلغت ذروتها في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، لكنها شهدت أفولا في بداية التسعينيات. ويؤكد صاحب رواية «الفاعل» أن الكرة هي ثقافة في المقام الأول، وقد مارسها حين كان في المدرسة وحتى الثانوية، مع حرصه الشديد على أن يقتني الزي الرياضي الخاص بها كاملا، وحين أقاموا ناديا في النجوع كان ضمن الفريق!. أما طقوس مشاهدته للمباريات فمنها المشاهدة في المنزل مع أصدقائه, ولا يوجد ما يمنع أن يكون بحضور بعض «الأهلاوية» العقلاء، ورغم سلامة نظره إلا أنه يفضل الجلوس أمام التلفزيون مباشرة ليعلق على الهجمات، ويوجه اللاعبين من مقعده، مشيرا إلى ان التفاعل هو أهم ما يميز كرة القدم.
وعن الفرق التي يشجعها في كأس العالم أشار إلى تفضيله للأفارقة بحكم أنهم الأقرب إلينا بالإضافة إلى مستواهم الفني الراقي، ولكنه يعيب عليهم نظرتهم إلى أنفسهم التي يراها تفتقد إلى الطموح أحيانا، والتقليل من النفس والنظر إليها بدونية أمام المنتخبات الأوروبية، مؤكدا أن كثيراً من الأندية الأوروبية تعتمد بشكل أساسي على المهاجمين الأفارقة المتميزين ومن ثم يحصدون البطولات. أما الفريق الذي يتمنى فوزه بكأس العالم 2010 فهو منتخب الأرجنتين الذي يدربه مارادونا أسطورة الكرة العالمية، فهو كما يراه أقرب إلى الفنان منه إلى الرياضي.
يؤكد صاحب «مصر من البلكونة» الكاتب الشاب محمد فتحي أن قدماء المصريين مارسوا كرة القدم بشكل قريب إلى الشكل الحالي، ويرى أن هذه اللعبة تحتل قدرا كبيرا من اهتمامات البسطاء الذي يجب على المثقف أن يتواصل معهم, ويعبر عنهم لا عن النخبة، ولذلك حين تعالى المثقفون على البسطاء واهتماماتهم, ابتعد الجمهور عنهم وكرهوا الثقافة ورموزها.
ويتساءل: من من مثقفينا الآن يشبه الراحل محمود السعدني الذي كان عاشقا لكرة القدم ويكتب عنها وعن أبرز نجومها، ويحللها كخبير رياضي؟
ويرى فتحي أن مباريات كرة القدم تكشف سلوك المصريين الذين يفتقدون إلى تقبل الآخر، فضلا عن غياب ثقافتي الانتصار والهزيمة لديهم، فنحن دائما ما نعلق إخفاقاتنا على «شماعة» الظروف ونرفض لقب الهزيمة، فحين خسرنا من الجزائر أرجعنا الأمر لأحداث الشغب والعنف وليس لأسباب فنية، وحين هزمنا عام 67 وصفناها بأنها نكسة وليست هزيمة.
وتمنى الكاتب الشاب أن يفوز منتخب الأرجنتين بكأس العالم 2010 لحبه الشديد للاعب المنتخب الأرجنتيني ليونيل ميسي، مؤكدا كذلك حبه الشديد لمنتخبات البرتغال وإسبانيا، وكرهه لمنتخبات ألمانيا وإنجلترا التي يرى أن لعبها يفتقر إلى الإثارة، وتمنى أن تمتع مباريات كأس العالم عشاق الكرة رغم عدم تفاؤله بذلك نظرا للإصابات المتلاحقة لمشاهير نجوم الرياضة مثل مايكل بالاك الألماني، وأرين روبين بهولندا، وديدير دورجبا لاعب منتخب ساحل العاج الإفريقي.
من جهته اعتبر أستاذ الإعلام السياسي د.صفوت العالم أن مشاهدة مباريات كرة القدم أمر مكمل للتفاعل الاجتماعي، فمن لم يتابع المباريات يفقد ميزة للتواصل والحوار، مرجعا كره المثقفين لكرة القدم إلى عدم تفرغهم الكامل لذلك, وانشغالهم بأمور معيشية كثيرة.
ويؤكد العالم أن كرة القدم أصبحت مكونا أساسيا من ثقافات شعوبنا العربية نظرا لتعدد الفضائيات الرياضية التي خلقت حالة من الاهتمام, وتجاوزت الدوريات المحلية بالدول العربية إلى الأندية الأوروبية والمنتخبات العالمية، ومن ثم نجد الشباب العربي الآن يعلن عن انتمائه إلى الاندية الأوروبية قائلا: أنا «شلساوي» نسبة إلى نادي تشلسي الإنكليزي، أو «مدريدي» نسبة إلى نادي ريال مدريد الإسباني، ويرشح د.صفوت منتخبات إسبانيا أو البرازيل للفوز بكأس العالم 2010.
أما الكاتب د.حلمي قاعود فرأى أن معظم المثقفين, إن لم يكن كلهم, مارسوا رياضة كرة القدم في صباهم وشبابهم بطريقة منظمة أو غير منظمة، ولهذا لا يوجد ما يدعو المثقف للتعالي على هذه الرياضة، اللهم إلا بسبب ما يلاقيه المجال العلمي والثقافي من إهمال وتهميش، وكذلك بسبب اتخاذ الحكومات لولع الناس بها فرصة لإلهائهم عن مشكلاتهم المزمنة
وعن علاقته بكرة القدم يقول إنه مارسها في زمن الشباب, ويتابع المباريات الحالية وسط أبنائه.
وفي حديثه إلى «محيط» يرى الشاعر والكاتب الأردني د.محمد القواسمة أن المثقف العربي بشكل عام لا يكره الرياضة عموما لأنها جزء من الثقافة العامة لأي شعب من الشعوب. أما ما يكرهه المثقف فهو أن تستخدم كرة القدم لتغييب القضايا المهمة والقضايا المصيرية بجعلها في المرتبة الأولى من اهتمام الحكومات والنّاس، وما يكرهه أيضا هو استخدامها في إثارة النعرات الطائفية والإقليمية الضيقة، بدلا من أن تكون وسيلة للتماسك بين أقطار الوطن العربي. وتذكر الشاعر الأردني علاقته بها بقوله : « منذ الصبا كنا نحوّل الشوارع والأزقة والساحات البعيدة عن المباني إلى ميادين لكرة القدم» أما عن كرة القدم حاليا فيهيلنا الأموال التي تتجمع لدى اللاعبين والنوادي واتحاد الفيفا دون أن يستفاد منها في تقدم البشرية والقضاء على الفقر والجوع.