|
جلال الدين الرومي .. شاعر الصوفية الأكبر تركيا
نيلكسون المستشرق الانجليزي قضى في دراسة جلال الدين الرومي ثلاثين عاما, خمسة وعشرين عاما قضاها في نشر المثنوي واعداد ترجمة انكليزية له تبعتها شروح وتعليقات , وقد عبر عن رأيه فيه بعد ثلاثين عاما من الاشتغال به بأن طول الصحبة لم تزده الا تقديرا له . آبري استاذ الدراسات المشرقية بجامعة كيمبردج خلف استاذه في الاهتمام بأعمال جلال الدين وقد ادرجت بعض ترجماته ضمن قوائم اليونسكوالتي تمثل روائع الاداب الانسانية فجلال الدين باجماع الدارسين من اهل الشرق والغرب اعظم شعراء الصوفية ومن شعراء الانسانية الافذاذ . من هو جلال الدين الرومي: جلال الدين بن محمد البلخي القونوي المعروف بالرومي,وقد لقب بالرومي على الرغم من اصله الفارسي لأنه عاش في بلاد الروم, آسية الصغرى قديما وتركيا اليوم مرقده وأبوه واسرته في قونيا التركية. اختار التصوف سبيلا له, كان تصوفه مزيجا من الفلسفة والحكمة العملية فلم يدع الحياة ومافيها , بل استمد عناصرتصرفه من الانسان ذاته وتعمق في بحث مشاكله الروحية والعملية, وحاول ان يرسم المثل العليا في الفكر والعمل وفكره يقوم على التسامح والتعايش المشترك للانسانية يقول: (كن كما تبدو او كما تبدوكن). والمحقق ان شمس الدين التبريزي اثر في حياة شاعرنا اعمق الاثر وجعله يعرض عن الوعظ وينصرف الى حياة التأمل الصوفي وينطلق في التعبير عن حياته الجديدة بفيض غامر من الشعر بلغ اسمى درجات العبقرية فقد نظم ديوانا كاملا سماه ديوان (شمس تبريز) ونسب اكثر غزلياته في هذا الديوان الى صديقه بوضع اسمه في تخلص كل منها و(التخلص في الغزل الفارسي هو ان يذكر الشاعر اسمه الادبي في البيت الاخير من الغزل ). عاش جلال الدين الرومي حياة قديس وقد أحاط به عدد كبير من التلاميذ والمريدين توفي عام 672 ولقي بعد موته من التكريم ما لقيه في حياته فقد بني له ضريح اقيمت له قبة عرفت بالقبة الخضراء,اضيفت اليها مبان اخرى وانفق عليها الوف , الدراهم كما اوقفت على الضريح اوقاف للسدنة ولقراءة المثنوي. مثنوي جلال الدين الرومي ماهو المثنوي? كلمة المثنوي تعني النظم المزدوج في العربية وهو يعتمد على توحيد القافية بين شطري كل بيت من ابناء المنظومة, فكل بيت من الابيات تكون له قافيته المستقلة وبهذا تتحرر المنظومة من القافية الموحدة التي طالما عاقت شعراء العرب عن نظم المطولات فهذا التعدد في القوافي هو الذي مكن شعراء الفرس من نظم الملاحم المطولة على الاوزان العربية والانطلاق بها الى ابعد مدى وينقسم كتاب جلال الدين المثنوي الى ستة مجلدات تضم خمسة وعشرين الف بيت وهذا الكتاب يعد أثرا من الاثار الادبية الخالدة يرتفع فيها الشعر الى مستوى عالمي فذ وكل جزء من الاجزاء الستة لهذه المنظومة يشتمل على نيف واربعة آلاف بيت . والمثنوي عبارة عن مجموعة من القصص لكن رواية هذه القصص تكون اما لمقاصد فلسفية او اهداف تعليمية ومن ذلك قوله . (ان الدنيا تتجدد في كل لحظة ونحن لا نحس بتجددها وهي باقية على هيئتها الظاهرة والعمر وان بدا مستمر ا في الجسد فانه يتجدد وفي كل لحظة كما يتجدد ماء النهر .. )ولقد استمرت رسالته الروحية خلال قرون وعاشت تعاليمه في نفوس اتباعه من رجال الطريقة المولوية في تركيا العثمانية والشام ومصر . الطريقة المولوية وجلال الدين الرومي تأسست هذه الطريقة باسمه ومركزها مدينة قونيا كانت في الاصل الهام الحب للناس ومنبعها القرآن والحديث والذين يدورون يمثلون الكواكب السيارة والدوران يمثل حركة الكرة الارضية فالقمر يدور حول الشمس وحول ذاته, اما الجلد الاحمر الذي يوضع في الارض فيمثل طلوع الشمس في الصباح والشخص الذي يجلس في هذا المكان هو ممثل -مولانا- للحق والحقيقة, وحركة الدوران تكون بموافقة شيخ الطريقة.. اليد اليمنى مفتوحة الى اليسار .. واليسرى مفتوحة الى الارض تمثل هذه الحركة ان الانسان يأخذ الرحمة من الله ويوزعها على الارض .. اما ما يلبسونه على رأسهم فيمثل التراب في القبر, ولباسهم الابيض هو الكفن . والاسود المشاغل الدنيوية وعندما يخلعونها ينتقلون الى العالم الروحاني . الشيخ محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي ما الذي يلتقي به الشيخان ?ربما التشابه الوحيد هوان كليهما لم يضعا حواجز بين الدين الاسلامي والديانات الاخرى وابيات ابن عربي في هذا المجال تبدي ذلك فهو القائل: لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان وديراً لرهبان وبيتاً لأوثان وكعبة طائف وألواح توارة واوراق قرآن أدين بدين الحب انى توجهت ركائبه ارسلت دني وايماني فالصوفيان يدعيان للحب والتعايش والتسامح وعلى الرغم من ان بعض الروايات تذكر ان الاخير ذهب الى الشام بناء على نصح استاذه برهان الدين محقق واقام فيها سنوات وكان فيها حينذاك ابن عربي لكن الرواية تذكر بأنهما لم يلتقيا ابداً. لكن ما يميز الرومي عن ابن عربي الاهتمام الكبير المحاط به فمسجده الكبير في قونيا تأتي اليه وفود السياح من كل حدب وصوب وقد قدر عددهم بمليون سائح ونيف سنويا في هذه المدينة وهناك خطة في انتاج فيلم حول حياته في هوليود وان يقوم بدوره نجم عالمي..واخرى لانتاج فيلم كرتوني.. عندما وقفنا في حضرة جلال الدين الرومي خفقت بنا اجنحة الشوق الى الوطن والى دمشق تحديدا حيث مسجد ابن عربي المتواضع في حي الشيخ محي الدين وسط مكان ضيق لا يتسع لزوار يعدون على اصابع اليد محاط بسوق الخضرة والابنية القديمة وهذا ما حزفي نفوسنا كثيرا.. وراودنا تساؤل بدمعة حرى.. لماذا عدد السياح في قونيا يفوق المليون وكلهم يقصدون مسجد الرومي? لماذا لم يفكر احد بانتاج فيلم او مسلسل عن حياة ابن عربي الذي لم يقتصر تأثيره على العالم الاسلامي بل تعداه الى العالم الغربي فنيلكسون الذي درس الرومي قال عن ابن عربي انه عبقري الاسلام.لماذا لا نفكر بتوسعة مسجده وجلب السياح اليه .. لماذا?... ولماذا ..? والجواب بالتأكيد لا يمكن ان يكون لدينا نحن !!...
|