لايمكن أن نصل إليه وفق نمط التفكير الخطي، التتابعي، الذي يفضي فيه السبب الأول إلى الثاني، فالثالث، فللواقع منطقه، وقد لاتسير فيه الوقائع وفق الترتيب السببي، إذ يتم الانتقال بكسر التتابع الخطي، وفق منظورات المنطق الشكلي بهذه الكلمات بدأ الدكتور عاطف بطرس محاضرته في المركز الثقافي العربي بالمزة تحت عنوان( من نمط التفكير الخطي إلى التفكير التشابكي) وأضاف المحاضر أن نمط التفكير الخطي ينطوي على الكثير من الجبرية والحتمية، التي تصادر حرية التنقل بين مكونات المشكلات ( مدخلاتها ومخرجاتها) هو يقود أصحابه إلى حالة استلاب ومصادرة لقدرتهم على الإحاطة بتفاعل الأحداث، ومعرفة طرق سيرورتها لذا وضع مجتمعنا العربي السوري اليوم بتداخله وتعقده لايسعفنا فيه نمط التفكير التتابعي فنحن بأمس الحاجة إلى نمط آخر من التفكير، يسميه الدكتور سمير مرقص بنمط التفكير التشابكي وهو الذي يعالج المسائل المطروحة في وحدتها العلائقية فنخرج عن جبرية التسلسل الخطي، ومنطق التتابع السببي، هذه الطريقة في التفكير تربط المحلي بكل مكوناته( أسبابه ونتائجه) بالإقليمي.. بالعالمي، على أساس جدلي يتجاوز الثنائيات الضدية المغلقة، بحثاً عن توسيع دوائر الاتصال وتثبيتها دون تناسي العلاقة العضوية بين الداخل والخارج، مع تأكيد أهمية المكونات الداخلية والاعتراف أن الخارج مهما كان يتمرأى في النهاية ويتشكل وفق قوانين ومعطيات الداخل.
التفكير التشابكي
وبيّن المحاضر أن نمط التفكير التشابكي تمليه ضرورات الواقع، فهو وحده القادر على فهم واستيعاب مايتفاعل في عمقه، لأن الظاهر لايعكس بالضرورة ماتجيش به الأعماق، وقياس الموجه لايتم على السطح وإنما في القاع، وللتمييز بين العارض الطارىء وبين التاريخ المتراكم نحتاج إلى نمط من التفكير قادر على كشف ومعرفة تجليات التاريخ في العرضي، والكيفيات التي تجعل من تراكم العرضي تاريخياً.
وهنا يخذلنا نمط التفكير الخطي في الوصول إلى أحكام يمكن الوثوق بها، وتقربنا من الحقيقة التي تراوغ بشكل دائم، بالتالي الإمساك بها يستدعي حراكاً فكرياً بعيداً عن التقليدية والنمطية، هذا الفكر الذي تشكل وتبلور بعد ازدهار المعارف وتنوعها الخلاق في حوارية تغتني بما تحققه كل معرفة في حقلها الخاص، فالمجتمعات اليوم بمقدار ماتميل فيها المعرفة إلى التخصص والغوص في العمق، تحتاج إلى الانتشار في المدى على أساس مبدأ التطور الأفقي والعمودي، الذي ساعدت على انتشاره ثورة المعلومات والاتصالات، بانفتاح المكان واختصار الزمان، بالتالي إذا كانت مهمة الفلسفة فهم العالم وتفسيره، فقد أصبحت بعد ماركس تهدف إلى معرفة الطرق العلمية لتغيير الواقع، والانتقال به من عالم الضرورة إلى رحاب الحرية.. فهل ثمة علاقة مابين الشاعر والفيلسوف أليس الهدف واحداً الثورة على الراهن الراكد وتغيير الثابت والمتخلف فيه.
بالتالي الهدف الأساسي هو الارتقاء بالإنسان أساس الوجود وغايته، والعمل على استرداد إنسانيته المهدورة في عالم ربوبية السوق والاغتراب والارتهان للسلعة، والسعي الدؤوب من أجل إنسان سوي متوازن، يعيش في مجتمع ينتفي فيه كل شكل من أشكال الاضطهاد والاستغلال ويقضي فيه على العنف مجتمع تشبع فيه حاجات الناس المادية والمعنوية، ويشعر أبناؤه بأخوتهم الإنسانية ويعملون معاً من أجل قيم الحق والخير والعدل والجمال، وفي نهاية المحاضرة أوضح المحاضر أن الشعر والفلسفة وجهان لحقيقة واحدة هي الإنسان في عشقه للحرية وفي سعيه للانعتاق فرداً ومجتمعاً من قوانين الطبيعة بالسيطرة عليها علمياً من الظلم الاجتماعي والاستغلال الطبقي وأشكال القمع والتسلط فهناك الكثيرون من أفراد المجتمع الذين لديهم مهارات وكفاءات ومواهب متمردون على أنماط التفكير السائدة التي لا تلبي حاجاتهم ولا ترضي تطلعاتهم فبفعل حالتهم الشعورية وتوتراتهم الدائمة إضافة للقلق المتساكن معهم وتشظيهم بين الممكن والواقع يحتاجون إلى نمط تفكير يسعفهم في سبر الواقع والكشف عن أعماقهم والتنبؤ بمستقبلهم، فالتفكير الخطي يخذلهم ويجهض إمكاناتهم ، لأنهم محكومون بالتمرد على الثبات، ولابد لهم والحالة هذه من التفكير التشابكي بوعي منهم أو بغيره لأن هذا التفكير هو الطريقة الوحيدة التي تحرره من النمطية والمحدودية والجبرية.